حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ فَأَمَّا اتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ فَمِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ تَعْلِيقُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِهِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي جَرَيَانِ الْإِرْثِ وَعَدَمِهِ
الْعَبْدِ فَلَا يَكُونُ لَاحِقًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَنَاطُ الْعِتْقِ فَلَمْ يُعْتَقْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَحَقُّقِ الْآخِرِيَّةِ وُجُودٌ سَابِقٌ بِالْفِعْلِ، وَفِي الْأَوَّلِيَّةِ عَدَمُ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ لَا وُجُودُ آخِرِ مُتَأَخِّرٍ عَنْهُ، وَإِلَّا لَمْ يُعْتِقْ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ أَوَّلُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ إذْ لَمْ يَشْتَرِ بَعْدَهُ غَيْرَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فِي قَوْلِهِ آخِرُ عَبْدٍ أَشْتَرِيه فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ الْآخَرُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ فَرْدٌ لَاحِقٌ لَمْ يَعْقُبْهُ غَيْرُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ عِتْقِهِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَقُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ عِتْقُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الصِّحَّةِ وَإِلَّا عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَالَا: يُعْتَقُ يَوْمَ مَاتَ الْمَوْلَى حَتَّى يُعْتَبَرَ عِتْقُهُ مِنْ الثُّلُثِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ بَعْدَهُ إلَى الْمَوْتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ أَشْتَرِ بَعْدَك آخَرُ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَهُ كَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ ثَابِتًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرِّفٌ لِلشَّرْطِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ اتِّصَافًا بِالْآخِرِيَّةِ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَرْضِيَّةِ الزَّوَالِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بَعْدَهُ غَيْرَهُ، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَشْتَرِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ آخِرًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يُحْكَمُ بِطَلَاقِهَا فِي الْحَالِ بَلْ حَتَّى يَمْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا امْتَدَّ ظَهَرَ أَنَّهَا طَلُقَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ حَيْثُ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ الدَّمَ كَانَ حَيْضًا وَكَوْنُ صِفَةِ الْآخِرِيَّةِ إنَّمَا تَثْبُتُ بِعَدَمِ شِرَاءِ غَيْرِهِ وَأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمَوْتِ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْطَ عَدَمَ الشِّرَاءِ بَلْ أَمْرٌ آخَرُ لَا يَتَحَقَّقُ ظُهُورُهُ إلَّا بِهِ فَلَا يَقَعُ عِنْدَهُ مُقْتَصِرًا إلَّا لَوْ كَانَ هُوَ نَفْسُ الشَّرْطِ، فَإِذَا كَانَ الْمَظْهَرُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ ثَبَتَ عِنْدَهُ مُسْتَنِدًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ يَقَعُ عِنْدَ الْمَوْتِ مُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا وَمُسْتَنِدًا عِنْدَهُ.
وَفَائِدَتُهُ: أَيْ فَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَعَدَمِهِ؛ فَعِنْدَهُمَا تَرِثُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ فَارًّا حَيْثُ حَكَمَا بِطَلَاقِهَا فِي آخِرِ نَفَسٍ مِنْ حَيَاتِهِ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ وَاحِدٍ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا غَيْرُ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute