وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ، فَإِنْ حَلَفَ يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ مُعْتَبَرَةٌ لِكَوْنِهَا نَفْعًا مَحْضًا فَاعْتُبِرَ النُّكُولُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَتْ الْأُمُّ بِنُكُولِ الْمَوْلَى خَاصَّةً دُونَ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ، وَصِحَّةُ النُّكُولِ تُبْتَنَى عَلَى الدَّعْوَى فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْجَارِيَةِ
كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُ، كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت غَدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَضَى الْغَدُ وَلَا يَدْرِي أَدَخَلَ أَمْ لَا لِلشَّكِّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ، فَكَذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ أَوَّلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ مَذْكُورًا فِي طَرَفَيْ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ.
فَإِنْ قُلْت: الْمَفْرُوضُ فِي صُورَةِ الْكِتَابِ تَصَادُقُهُمْ عَلَى عَدَمِ عِلْمِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ فَكَيْفَ يُحَلَّفُ وَلَا دَعْوَى وَلَا مُنَازِعَ؟ قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى دَعْوَى مِنْ خَارِجِ حِسْبَةِ عِتْقِ الْأَمَةِ أَوْ بِنْتِهَا لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ أَنْكَرَتْ الْعِتْقَ وَشُهِدَ بِهِ تُقْبَلُ، فَعَلَى هَذَا جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ حِسْبَةً إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِيُحَلَّفَ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ، هَذَا وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي تَعْلِيلِهِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأُمَّ تَدَّعِي الْعِتْقَ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ، فَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ دَعْوَى الْأُمِّ وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْكِتَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَرْجِيحِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ حَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَرِدْ عَنْهُمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ الْجَوَابَ.
وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَائِنَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ إلَخْ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الظَّاهِر لَا الْخَفِيِّ وَلِهَذَا قَيَّدَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ فَقَالَ الْعَبْدُ فَعَلْت لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَخْ، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ ظَاهِرَةً فَيُوجِبُ الشَّكُّ فِيهَا اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ كَمَا فِي الْجَامِعِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَتْ الْأُمُّ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ) بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْغُلَامَ وُلِدَ أَوَّلًا (لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ) مَعًا (لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرَةِ) تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا نَفْعٌ مَحْضٌ مَعَ ثُبُوتِ وِلَايَتِهَا عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ وَعَجْزِ الصَّغِيرَةِ عَنْ دَعْوَاهَا لِنَفْسِهَا فَاعْتُبِرَ نُكُولُهُ فِي حَقِّ حُرِّيَّتِهِمَا فَعَتَقَتَا (فَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ كَبِيرَةً وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا) مِنْ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا (وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهِ) يَعْنِي وَلَدَتْهُمَا فَادَّعَتْ الْأُمُّ تَقَدُّمَ الْغُلَامِ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ بَالِغَةٌ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ خَاصَّةً بِنُكُولِهِ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْجَارِيَةِ الْكَبِيرَةِ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَنْ الْغَيْرِ إنَّمَا تَصِحُّ بِوِلَايَةٍ أَوْ إنَابَةٍ وَهُمَا مُنْتَفِيَتَانِ عَنْ الْكَبِيرَةِ فَلَا تَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ نَفْسِهَا دَعْوَاهَا حُرِّيَّةَ الْبِنْتِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا ثَبَتَ عِتْقُ الْأُمِّ يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ حُرِّيَّةُ بِنْتِهَا لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ فَالْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّتِهَا إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةِ الْأُخْرَى. أُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ عِتْقِ الْأُمِّ بِالنُّكُولِ عِتْقًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَذْلًا لِمَالِيَّتِهَا مِنْ الْمَوْلَى لِيَتْرُكَ الْحَلِفَ أَوْ إقْرَارًا بِحُرِّيَّتِهَا بِدُونِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَلَا يُوجِبُ عِتْقَ الْبِنْتِ، وَبِأَنَّ النُّكُولَ جُعِلَ إقْرَارًا عَلَى قَوْلِهِمَا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنَا كَفِيلٌ بِكُلِّ مَا يُقِرُّ لَك بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَالًا فَأَنْكَرَ فَحُلِّفَ فَنَكَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute