(وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ
الْمَنْكُوحَةِ هُوَ الْمُفِيدُ لِطَلَبِ الْوَلَدِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وُضِعَ لَهُ عَقْدُهَا لَا وَطْءُ الْأَمَةِ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَمْ يُوضَعْ لِذَلِكَ بَلْ لِلِاسْتِخْدَامِ، وَوَطْؤُهَا مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِخْدَامِ قَضَاءً لِلشَّهْوَةِ، فَلَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ الْوَلَدِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، وَعَلَى هَذَا وَيَكْفِي فِي دَلِيلِهِمَا أَنْ يُقَالَ وَطْءُ إحْدَاهُمَا دَلِيلُ اسْتِبْقَائِهَا كَالْوَطْءِ فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ، وَفِي وَجْهٍ قَوْلُهُ مَنَعَ دَلَالَتَهُ، وَالْفَرْقُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهِمَا وَحِلِّ وَطْئِهِمَا.
ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُفْتَى بِهِ لِتَرْكِ الِاحْتِيَاطِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُمَا كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا، وَقَدْ وَضَعَ فِي الْأُصُولِ مَسْأَلَةً يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّمَ أَحَدٌ أَشْيَاءَ كَمَا يَجُوزُ إيجَابُ أَحَدٍ أَشْيَاءَ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَحُكْمُ تَحْرِيمِ أَحَدٍ أَشْيَاءَ جَوَازُ فِعْلِهَا إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّهَا فِعْلًا كَانَ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ قَطْعًا وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ قَدْ يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْوَطْءُ لِعَارِضٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمَجُوسِيَّةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ قِيَامُهُ حِلَّ الْوَطْءِ، وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ مُوجَبَ اللَّفْظِ وَهُوَ عِتْقُ إحْدَاهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، فَفِي وَطْئِهِمَا وَطْءُ الْمُحَرَّمَةِ بِيَقِينٍ فَلَا يَحِلُّ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ قَائِمًا فِيهِمَا، بِخِلَافِ أَخْذِهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمِلْكِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحِلِّ الْوَطْءِ، وَغَرَامَةُ قِيمَةِ مَمْلُوكِينَ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ نِصْفُ قِيمَةٍ وَدِيَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إذَا قَتَلَهُمَا رَجُلٌ لِصِحَّةِ إثْبَاتِهِ بِدُونِ التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا يَتَنَصَّفُ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ بِيَقِينٍ وَلَا تُعْرَفُ فَتُنَصَّفُ فِي الضَّمَانِ ثُمَّ مَا هُوَ قِيمَةٌ لِلْمَوْلَى وَمَا هُوَ دِيَةٌ لِلْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَهُمَا رَجُلَانِ فَإِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قِيمَةَ أَمَةٍ إذْ لَيْسَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرَّةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ يَقُولُ ذَلِكَ فَتَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ بِالضَّمَانِ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ قَتْلِ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْحُرَّةَ لَا تَعْدُوهُمَا فَتَحَقَّقَ عَلَيْهِ ضَمَانُ حُرَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ بِعَيْنِهَا فَتَوَزَّعَ فِيهِمَا.
وَقَوْلُهُمْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِيهِمَا مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ فَجَازَ وَطْؤُهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَا تَعْلِيقَ بَلْ تَنْجِيزٌ مَأْمُورٌ فِي الشَّرْعِ بِتَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ كَانَ يَمِينًا مَحْضًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إيقَاعِ شَرْطِهِ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَهُنَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَعُرِفَ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْوُقُوعِ فِي الْمُعَيَّنَةِ عَلَيْهِ شَبَهًا لَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ أَحْكَامِهِ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ قَبْلَ الشَّرْطِ فِيهِمَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ صَرِيحًا بَلْ خَرَجَ مِنْ تَعْلِيلِهِ الْمِلْكَ فِيهِمَا بِحِلِّ وَطْءِ إحْدَاهُمَا.
[فُرُوعٌ]
مِنْ الْبَيَانِ لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ عَتَقَتْ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ الْأُخْرَى عَتَقَتْ الْأُولَى فَتَعْتِقَانِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ أَعْنِ هَذِهِ إقْرَارٌ بِعِتْقِ الْأُخْرَى فَقَدْ أَقَرَّ بِعِتْقِهِمَا، وَكَذَا هَذَا فِي الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ عَلَيَّ أَلْفٌ فَقِيلَ لَهُ أَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَا لَمْ يَجِبْ لِلْآخَرِ شَيْءٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ فِي الْإِقْرَارِ الْمُبْهَمِ لَيْسَ وَاجِبًا بِخِلَافِهِ فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمُبْهَمِ.
وَلَوْ قَالَ أَمَةٌ وَعَبْدٌ مِنْ رَقِيقِي حُرَّانِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ وَعَبْدَانِ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَمِنْ كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُهُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْإِمَاءُ فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إنْ كَانَتَا أَمَتَيْنِ عَتَقَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهَا أَوْ ثَلَاثًا عَتَقَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهَا وَتَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا وُلِدَ أَوَّلًا عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ) وَتَسْعَى فِي قِيمَةِ نِصْفِهَا (وَنِصْفُ الْجَارِيَةِ) وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ (وَالْغُلَامُ عَبْدٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ تَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute