للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تَعْلِيقِهِ بَلْ عَلَى نَفْيِ تَنْجِيزِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَالْجَوَابُ صَارَ ظَاهِرًا بَعْدَ اشْتِهَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لَا قَبْلَهُ، فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ النِّكَاحُ فَنَفَى ذَلِكَ فِي الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا.

بَقِيَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعُوا كَوْنَ الْمُعَلَّقِ لَيْسَ طَلَاقًا لِيَخْرُجَ عَنْ تَنَاوُلِ النَّصِّ، بَلْ هُوَ طَلَاقٌ تَأَخَّرَ عَمَلُهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ وَاللُّغَةِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ الطَّلَاقِ تَعْلِيقَهُ، وَكَذَا الشَّرْعُ لَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَعَلَّقَ طَلَاقَهَا لَا يَحْنَثُ إجْمَاعًا. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي مُوَطَّإِ مَالِكٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَقَالَ الْقَاسِمُ: إنَّ رَجُلًا جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ إنْ هُوَ تَزَوَّجَهَا أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْمُظَاهِرِ.

فَقَدْ صَرَّحَ عُمَرُ بِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الظِّهَارِ بِالْمِلْكِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَالْكُلُّ وَاحِدٌ. وَالْخِلَافُ فِيهِ أَيْضًا وَكَذَا فِي الْإِيلَاءِ إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَصِحُّ فَمَتَى تَزَوَّجَهَا يَصِيرُ مُولِيًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيقُ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ فِي مَحَلٍّ فِي حَالٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَيَلْغُو كَتَعْلِيقِ الصَّبِيِّ بِأَنْ قَالَ: إذَا بَلَغْت فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ، وَتَعْلِيقُ الْبَالِغِ طَلَاقَ الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ.

قُلْنَا: لَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ بِقَوْلِنَا هُوَ طَلَاقٌ أَوْ لَيْسَ بِهِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ لِحُكْمِ الطَّلَاقِ مِنْ الْعِدَّةِ وَغَيْرِهَا تَأَخَّرَ عَمَلُهُ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ.

وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ سَبَبًا شَرْعًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ فِي مَحَلٍّ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ اتِّصَالِهِ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ شَرْعًا: أَعْنِي أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّرْعُ أَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ فِيهِ لَا مُجَرَّدُ الِاتِّصَالِ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ سَبَبِيَّتَهُ لَيْسَتْ إلَّا بِإِيجَابِهِ الْحُكْمَ فِي مَحِلِّ حُلُولِهِ مَلْزُومًا لِلْحُكْمِ فَيَحِلُّ حَيْثُ حَلَّ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ الشَّرْطَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنْتِ طَالِقٌ الْآنَ، بَلْ إذَا كَانَ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ إذْ ذَاكَ لَا الْآنَ، فَإِذَا كَانَ ذَاكَ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ وَهُوَ التَّعْلِيقُ فَحِينَئِذٍ يَنْزِلُ بِالْمَحِلِّ سَبَبًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ الْبَيْعَ عَلَى مُنْتَظَرٍ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي الْحَالِ، غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ خِيَارَ أَنْ يَفْسَخَ إنْ لَمْ يُوَافِقْ غَرَضَهُ رِفْقًا بِهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْوُصُولِ فِي الْحَالِ بَلْ يُحَقِّقُ سَبَبِيَّتَهُ فِي الْحَالِ لَوْ تَأَمَّلْت هَذَا التَّرْكِيبَ.

وَأَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِهِ مِنْ الصَّبِيِّ فَلَيْسَ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَحَلِّ بَلْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّعْلِيقِ كَالتَّنْجِيزِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِ فَإِنَّ افْتِقَارَهُ فِي التَّصَرُّفِ إلَى الْمَحَلِّ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ قَصْدِ التَّنْجِيزِ فِيهِ لِلْحَالِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ الْتِزَامُ يَمِينٍ يَقْصِدُ بِهَا بِالذَّاتِ الْبِرَّ: أَعْنِي مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْ تَزَوُّجِهَا، وَهَذَا يَقُومُ بِهِ وَحْدَهُ فَيَتَضَمَّنُ هَذَا مَنْعَ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي الْمَحَلِّ فِي حَالِ عَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ بَلْ تَصَرُّفٌ مُقْتَصِرٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحِنْثُ أَحَدَ الْجَائِزَيْنِ وَبِتَقْدِيرِهِ يَنْعَقِدُ كَلَامُهُ سَبَبًا وَهُوَ يَسْتَدْعِي الْمَحَلِّيَّةَ وَهُمَا مَعًا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لَزِمَ لِصِحَّةِ كَلَامِهِ فِي الْحَالِ ظُهُورُ قِيَامِ مِلْكِهِ عِنْدَ انْعِقَادِهِ. ثُمَّ رَأَيْنَا الشَّرْعَ صَحَّحَهُ مُكْتَفِيًا بِظُهُورِ قِيَامِهِ عِنْدَهُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْمَنْكُوحَةِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ قِيَامَ الْمِلْكِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَتَصْحِيحُهُ إيَّاهُ مَعَ تَيَقُّنِ قِيَامِهِ أَحْرَى وَذَلِكَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ تَعْلِيقُهُ بِالْمِلْكِ، وَبِهَذَا حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ الْأَخِيرِ: أَعْنِي تَطْلِيقَهُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ بِغَيْرِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا رَأَيْنَا الشَّرْعَ صَحَّحَ قَوْلَهُ لِلْأَمَةِ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ حَتَّى يُعْتِقَ مَا تَلِدُهُ مَعَ عَدَمِ قِيَامِ مِلْكِ عِتْقِ الْوَلَدِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، فَظَهَرَ أَنَّ قِيَامَ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْحُكْمِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ، وَلَعَمْرِي إنَّ جُلَّ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِنِهَايَةِ الْإِيجَازِ وَطَلَاوَةِ الْأَلْفَاظِ.

وَقَوْلُهُ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>