للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي وَقْتِهِ، فَكَانَ الشَّابُّ إِذَا سَمِعَ شَيْئًا مِنَ الذِّكْرِ يَزْعَقُ، فَقَالَ لَهُ الْجُنَيْدُ يَوْمًا: " إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ تَصْحَبْنِي "، فَكَانَ إِذَا سَمِعَ شَيْئًا يَتَغَيَّرُ وَيَضْبِطُ نَفْسَهُ حَتَّى كَانَ يَقْطُرُ (الْعَرَقُ مِنْهُ) بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنْ بَدَنِهِ قَطْرَةً، فَيَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ صَاحَ صَيْحَةً تَلِفَتْ نَفْسُهُ.

فَهَذَا الشَّابُّ قَدْ ظَهَرَ فِيهِ مِصْدَاقُ مَا قَالَهُ السَّلَفُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ صَيْحَتُهُ الْأَوْلَى غَلَبَتْهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بِشِدَّةٍ، كَمَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِ نَفْسِهِ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَعَلَيْهِ أَدَّبَهُ الشَّيْخُ حِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ وَوَعَدَهُ بِالْفُرْقَةِ، إِذْ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ الزَّعْقَةَ مِنْ بَقَايَا رُعُونَةِ النَّفْسِ، فَلَمَّا خَرَجَ الْأَمْرُ عَنْ كَسْبِهِ ـ بِدَلِيلِ مَوْتِهِ ـ؛ كَانَتْ صَيْحَتُهُ عَفْوًا لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَمْ يَشُمُّوا مِنْ أَوْصَافِ الْفُضَلَاءِ رَائِحَةً، فَأَخَذُوا بِالتَّشَبُّهِ بِهِمْ، فَأَبْرَزَ لَهُمْ هَوَاهُمُ التَّشَبُّهَ بِالْخَوَارِجِ، وَيَا لَيْتَهُمْ وَقَفُوا عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ الْمَذْمُومِ، وَلَكِنْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ الرَّقْصَ وَالزَّمْرَ وَالدَّوَرَانَ وَالضَّرْبَ عَلَى الصُّدُورِ، وَبَعْضُهُمْ يَضْرِبُ عَلَى رَأْسِهِ. . . وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْعَمَلِ الْمُضْحِكِ لِلْحَمْقَى؛ لِكَوْنِهِ مِنْ أَعْمَالِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ، الْمُبْكِي لِلْعُقَلَاءِ رَحْمَةً لَهُمْ، وَلَمْ يُتَّخَذْ مِثْلُ هَذَا طَرِيقًا إِلَى اللَّهِ وَتَشَبُّهًا بِالصَّالِحِينَ.

وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ قَالَ: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً؛ ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ». . .، الْحَدِيثَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>