للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ؛ حَضَرُوا عِنْدَ مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ الْكَافِرِ، فَتَحَرَّكَتْ فَأْرَةٌ أَوْ هِرَّةٌ خَافَ لِأَجْلِهَا الْمَلِكُ، فَنَظَرَ الْفِتْيَةُ إِلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يَتَمَالَكُوا أَنْ قَامُوا مُصَرِّحِينَ بِالتَّوْحِيدِ، مُعْلِنِينَ بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ، مُنْكِرِينَ عَلَى الْمَلِكِ نِحْلَةَ الْكُفْرِ، بَاذِلِينَ أَنْفُسَهُمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ، فَأَوْعَدَهُمْ ثُمَّ أَخْلَفَهُمْ، فَتَوَاعَدُوا الْخُرُوجَ إِلَى الْغَارِ. . . إِلَى أَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ.

فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ صَعْقٌ وَلَا صِيَاحٌ وَلَا شَطْحٌ وَلَا تَغَاشٌ مُسْتَعْمَلٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ شَأْنُ فُقَرَائِنَا الْيَوْمَ.

وَخَرَّجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي " تَفْسِيرِهِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ قَالَ: " قُلْتُ لِجَدَّتِي أَسْمَاءَ: كَيْفَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَؤُوا الْقُرْآنَ؟ قَالَتْ: كَانُوا كَمَا نَعَتَهُمُ اللَّهُ: تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ، وَتَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ. قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا هَاهُنَا إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ تَأْخُذُهُمْ عَلَيْهِ غَشْيَةٌ. فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ".

وَخَرَّجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي حَازِمٍ؛ قَالَ: " مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ سَاقِطٌ وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَوْ سَمِعَ اللَّهَ يُذْكَرُ؛ خَرَّ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللَّهِ إِنَّا لَنَخْشَى اللَّهَ وَلَا نَسْقُطُ! وَهَذَا إِنْكَارٌ.

وَقِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّ قَوْمًا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ يُغْشَى عَلَيْهِمْ، فَقَالَتْ: " إِنَّ الْقُرْآنَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تَنْزِفَ عَنْهُ عُقُولُ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>