تَعَالَى {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: ٤٠] إِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَارِبُ رُؤْيَتَهَا لِشِدَّةِ الظُّلْمَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَإِذَا كَانَ لَا يُقَارِبُ رُؤْيَتَهَا فَكَيْفَ يَرَاهَا.
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا غَيَّرَ النَّائِي الْمُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ ... رَسِيسُ الْهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
أَيْ: لَمْ يُقَارِبِ الْبَرَاحَ وَهُوَ الزَّوَالُ فَكَيْفَ يَزُولُ، فَشَبَّهَ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَهُمْ أَوَّلًا فِي فَوَاتِ نَفْعِهَا وَحُصُولِ ضَرَرِهَا عَلَيْهِمْ بِسَرَابٍ خَدَّاعٍ يَخْدَعُ رَائِيِهِ مِنْ بَعِيدٍ فَإِذَا جَاءَهُ وَجَدَ عِنْدَهُ عَكْسَ مَا أَمَّلَهُ وَرَجَاهُ، وَشَبَّهَهَا ثَانِيًا فِي ظُلْمَتِهَا وَسَوَادِهَا لِكَوْنِهَا بَاطِلَةً خَالِيَةً عَنْ نُورِ الْإِيمَانِ بِظُلُمَاتٍ مُتَرَاكِمَةٍ فِي لُجُجِ الْبَحْرِ الْمُتَلَاطِمِ الْأَمْوَاجِ الَّذِي قَدْ غَشِيَهُ السَّحَابُ مِنْ فَوْقِهِ فَيَالَهُ تَشْبِيهًا مَا أَبْدَعَهُ وَأَشَدَّهُ مُطَابَقَةً بِحَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَحَالِ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى خِلَافِ مَا بَعَثَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ.
وَهَذَا التَّشْبِيهُ هُوَ تَشْبِيهٌ لِأَعْمَالِهِمُ الْبَاطِلَةِ بِالْمُطَابَقَةِ وَالتَّصْرِيحِ وَلِعُلُومِهِمْ وَعَقَائِدِهِمُ الْفَاسِدَةِ بِاللُّزُومِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّرَابِ وَالظُّلُمَاتِ مَثَلٌ لِمَجْمُوعِ عُلُومِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فَهِيَ سَرَابٌ لَا حَاصِلَ لَهَا وَظُلُمَاتٌ لَا نُورَ فِيهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute