«جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا وَلِأَبِي مَالٌ وَعِيَالٌ وَأَبِي يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ (مَا لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ: يَضُرُّ الْأَبُ وَلَدَهُ بِمَا يَتَمَلَّكُهُ مِنْهُ. فَإِنْ ضَرَّهُ بِأَنْ تَتَعَلَّقَ حَاجَةُ الْوَلَدِ بِهِ كَآلَةِ حِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَتَمَلَّكْهُ. لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَيْنِهِ. فَلَأَنْ تُقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ أَوْلَى. وَكَذَا لَا يَتَمَلَّكُهُ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ رَهْنٍ أَوْ فَلَسٍ. ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ
(إلَّا سُرِّيَّتَهُ) أَيْ: أَمَةُ الِابْنِ الَّتِي وَطِئَهَا فَلَيْسَ لِأَبِيهِ تَمَلُّكُهَا (وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَةِ نَصًّا (أَوْ) إلَّا إذَا تَمَلَّكَ الْأَبُ (لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدٍ آخَرَ) فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ نَصًّا. لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَلَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْآخَرِ أَوْلَى (أَوْ) إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّمَلُّكُ (بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) الْمَخُوفِ. فَلَا يَصِحُّ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الْإِرْثِ. وَلَيْسَ لِلْأُمِّ وَلَا لِلْجَدِّ التَّمَلُّكُ مِنْ مَالِهِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَقَارِبِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ.
قَالَ الْإِنْصَافُ: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ. وَقَالَ أَيْضًا: الْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَبَ الْمُسْلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا
(وَيَحْصُلُ) تَمَلُّكَ أَبٍ (بِقَبْضِ) مَا تَمَلَّكَهُ نَصًّا (مَعَ قَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَوْ قَرِينَةٌ. لِأَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ لِتَمَلُّكٍ وَغَيْرِهِ، فَاعْتُبِرَ مَا يُعَيِّنُ وَجْهَ الْقَبْضِ
(فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ: الْأَبِ فِي مَالِ وَلَدِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ: الْقَبْضِ (وَلَوْ) كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ (عِتْقًا) نَصًّا، لِتَمَامِ مِلْكِ الِابْنِ عَلَى مَالِهِ. وَإِنَّمَا لِلْأَبِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ كَالْعَيْنِ الَّتِي وَهَبَهَا لَهُ
(وَلَا يَمْلِكُ) الْأَبُ (إبْرَاءَ نَفْسِهِ) مِنْ دَيْنٍ لِوَلَدِهِ عَلَيْهِ كَإِبْرَائِهِ لِغَرِيمِهِ وَقَبْضِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَمْلِكْهُ (وَلَا) يَمْلِكُ الْأَبُ إبْرَاءَ (غَرِيمِ وَلَدِهِ وَلَا قَبْضِهِ) أَيْ: دَيْنِ وَلَدِهِ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ غَرِيمِ وَلَدِهِ (لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُهُ) أَيْ: الدَّيْنَ (إلَّا بِقَبْضِهِ) مِنْ غَرِيمِهِ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِهِ) أَيْ: دَيْنِ وَلَدِهِ مِنْ غَرِيمِهِ (وَأَنْكَرَ الْوَلَدُ) أَوْ أَقَرَّ (رَجَعَ) الْوَلَدُ (عَلَى غَرِيمِهِ) بِدَيْنِهِ لِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ.
(وَ) رَجَعَ (الْغَرِيمُ عَلَى الْأَبِ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ. لِأَنَّ أَخْذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ
(وَإِنْ أَوْلَدَ) الْأَبُ (جَارِيَةَ وَلَدِهِ) قَبْلَ تَمَلُّكِهَا (صَارَتْ لَهُ) أَيْ: لِلْأَبِ (أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّ إحْبَالَهُ لَهَا يُوجِبُ نَقْلَ مِلْكِهَا إلَيْهِ. فَصَادَفَ وَطْؤُهُ مِلْكًا. فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ مِنْهُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ (وَوَلَدُهُ) أَيْ: الْأَبِ مِنْ أَمَةِ وَلَدِهِ (حُرٌّ لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) لِوَلَدِهِ رَبِّ الْجَارِيَةِ الَّتِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ بِعُلُوقِهَا. فَهِيَ إنَّمَا أَتَتْ بِهِ فِي مِلْكِ الْأَبِ (وَلَا مَهْرَ) عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ. لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute