وَالْحَاكِمِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» ) ؛ أَيْ: يَقْرَبُ مِنْ الزَّهُوقِ، وَيُقَالُ غَرْغَرَ إذَا جَادَ بِنَفْسِهِ.
(وَحُجَّةُ) الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ (الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ: «سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَتَى تَنْقَطِعُ مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: إذَا عَايَنَ» ، يُعَيِّنُ إذَا عَايَنَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِقَبْضِ رُوحِهِ (وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ) بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ (حَدِيثُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَلِيٍّ) : «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي مُهْلَةٍ مِنْ التَّوْبَةِ مَا لَمْ يَأْتِهِ مَلَكُ الْمَوْتِ بِقَبْضِ رُوحِهِ، فَإِذَا نَزَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَا تَوْبَةَ حِينَئِذٍ» .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ نُزُولِ الْمَلَكِ يَنْسَدُّ عَلَى الْمَنْزُولِ بِهِ بَابُ التَّوْبَةِ، سَوَاءٌ عَايَنَهُ أَوْ لَمْ يُعَايِنْهُ.
(وَأَمَّا التَّكْلِيفُ فَوَاضِحٌ، وَهُوَ قَوِيٌّ) جِدًّا؛ إذْ الْمَدَارُ عَلَيْهِ (قَالَ فِي " تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ " وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَالصَّوَابُ قَبُولُهَا) ؛ أَيْ: التَّوْبَةَ (مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّوْبَةَ هِيَ الْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ، وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْمَاضِي، وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يُعَاوِدَ الذَّنْبَ (وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ رَابِعٍ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ مِنْهُ) ، وَلَهَا تَفَاصِيلُ أُخَرُ يَضِيقُ عَنْهَا هَذَا الْمَحَلُّ، فَهِيَ حَقِيقَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالدِّينُ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّاهَا.
وَبِهَذَا اسْتَحَقَّ التَّائِبُ أَنْ يُسَمَّى حَبِيبَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَلَوْلَا أَنَّ التَّوْبَةَ اسْمٌ جَامِعٌ لِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ لَمْ يَكُنْ الرَّبُّ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ ذَلِكَ الْفَرَحَ الْعَظِيمَ.
(وَيَتَّجِهُ أَنَّ عِلْمَ مَا مَرَّ) مِنْ الْأَحَادِيثِ (لَا يَنْضَبِطُ لَنَا) لِقِصَرِ عُقُولِنَا عَنْ إدْرَاكِ حَقَائِقِهِ.
(وَيَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ تَابَ وَأَسْلَمَ - وَالرُّوحُ) بَاقِيَةٌ فِي بَدَنِهِ تَتَرَدَّدُ (فِيهِ - فَهُوَ مَقْبُولٌ شَرْعًا) فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا (وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ هَذَا الْإِسْلَامُ بَاطِنًا) لِتَقْصِيرِهِ بِالتَّأْخِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute