خِلَافًا لَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّ الْوَلِيِّ لَا حَقُّ الْمَرْأَةِ فَلَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا خِيَارَ لَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِرِضَاهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، ثُمَّ عَلِمَ لَا خِيَارَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ بِالْكَفَاءَةِ أَمَّا إذَا اشْتَرَطَ أَوْ عَقَدَ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فَلَهُ الْخِيَارُ (فِي) وَقْتِ (النِّكَاحِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَالَ بَعْدَهُ كُفْئِيَّتُهُ لَهَا بِأَنْ صَارَ فَاسِقًا مَثَلًا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْكَفَاءَةُ فِيهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلِهَذَا قَدَّرْنَا الْوَقْتَ ثُمَّ تُعْتَبَرُ فِي الْعَرَبِ (نَسَبًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَقَعُ التَّفَاخُرُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إنَّمَا الْفَضْلُ بِالتَّقْوَى» (فَقُرَيْشٌ) هُوَ مِنْ وَلَدِ نَضْرِ بْنِ كِنَانَةَ (بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ) وَلَا يُعْتَبَرُ الْفَاضِلُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلِهَذَا «زَوَّجَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنْتَهُ مِنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ أُمَوِيٌّ لَا هَاشِمِيٌّ وَزَوَّجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ هَاشِمِيٌّ بِنْتَهُ مِنْ فَاطِمَةَ أُمَّ كُلْثُومٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ قُرَيْشِيٌّ عَدَوِيٌّ» (وَغَيْرُهُمْ) أَيْ غَيْرُ الْقُرَيْشِيِّ (مِنْ الْعَرَبِ لَيْسُوا كُفْئًا لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ الْعَرَبِ نَسَبًا.
وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَلَا يَكُونُ الْعَالِمُ وَلَا الْوَجِيهُ كَالسُّلْطَانِ كُفْئًا لِعَلَوِيَّةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعَالِمَ كُفْءٌ لِلْعَلَوِيَّةِ إذْ شَرَفُ الْعِلْمِ فَوْقَ النَّسَبِ وَلِذَا قِيلَ إنَّ عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَفْضَلُ مِنْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بَلْ بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضِ الْعَرَبِ (أَكْفَاءُ بَعْضٍ) ؛ لِتَسَاوِيهِمْ فَلَا يَكُونُ الْعَجَمُ كُفْئًا لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا، أَوْ وَجِيهًا كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (وَبَنُو بَاهِلَةَ) فِي الْأَصْلِ اسْمُ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ وَالتَّأْنِيثُ لِلْقَبِيلَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَصْلِ اسْمَ رَجُلٍ، أَوْ اسْمَ امْرَأَةٍ (لَيْسُوا كُفْءَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعَرَبِ) .
وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ إلَّا بَنُو بَاهِلَةَ لِخَسَاسَتِهِمْ لَا يَكُونُونَ كُفْئًا لِعَامَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ بَقِيَّةَ الطَّعَامِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَكَانُوا يَأْخُذُونَ عِظَامَ الْمَيْتَةِ يَطْبُخُونَ بِهَا وَيَأْخُذُونَ دُسُومَاتِهَا كَمَا قِيلَ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْلَمُ بِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَاخْتِلَافِهِمْ وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَضِيلَةٍ مِنْهُمْ، أَوْ بَطْنِ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ تَأَمَّلْ (وَتُعْتَبَرُ) الْكَفَاءَةُ (فِي الْعَجَمِ) أَيْ غَيْرِ الْعَرَبِ (إسْلَامًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ إسْلَامِ أَبٍ وَجَدٍّ إذْ بِهِ تَفَاخُرُهُمْ لَا بِالنَّسَبِ؛ لِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ (وَحُرِّيَّةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ فَتُعْتَبَرُ الْحُرِّيَّةُ (فَمُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ) تَفْرِيعٌ لِمَا قَبْلَهُ (أَبُوهُ كَافِرٌ) صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ (أَوْ رَقِيقٌ غَيْرُ كُفْءٍ لِمَنْ لَهَا أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الْحُرِّيَّةِ) لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute