الْبَانِي، وَعَلَى الْبَانِي نَقْلُ بِنَائِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَعَلَ الْبِنَاءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إذْ ثَمَّةَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ عَرَفْنَا أَنَّهُ أَرَادَ الْعَمَلَ لِرَبِّ الْأَرْضِ حَيْثُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ الدَّارِ؛ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِآلَاتِهِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ شِرَاءً فَاسِدًا فَصَارَ قَابِضًا بِاتِّصَالِهِ بِأَرْضِهِ فَوَقَعَ عَمَلُهُ كُلُّهُ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لِلْآمِرِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ تَقُمْ دَلَالَةُ الْعَمَلِ لِلْآمِرِ فَبَقِيَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ بِالْبِنَاءِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، غَيْرَ أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مَتَى شَرَطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا صَارَ كَأَنَّهُ أَجَّرَ أَرْضَهُ لِيَبْنِيَ فِيهَا، وَلَوْ أَجَّرَهَا إجَارَةً صَحِيحَةً لِيَبْنِيَ، تَكُونُ الْآلَاتُ وَالْبِنَاءُ كُلُّهَا لِلْبَانِي، وَعَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ.
وَلَوْ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ أَجْرِهَا لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلِلْبَانِي قِيمَةُ مَا بَنَى يَوْمَ بَنَى يَعْنِي قِيمَةَ آلَاتِهِ وَأُجْرَةَ عَمَلِهِ فِيمَا عَمِلَ لِمَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَحْكَامِ الْعِمَارَةِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ.
لَوْ رَأَى غَيْرَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إذْنًا بِإِتْلَافِهِ، وَكَذَا الْمَوْلَى لَوْ سَكَتَ عَنْ وَطْء أَمَتِهِ لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ هَاتَانِ فِي قَاعِدَة: لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ، مِنْ الْأَشْبَاهِ.
لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ بِمَا أَدَّى، هَذِهِ مِنْ قَاعِدَةِ: لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ مِنْهُ.
الْغُرُورُ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ، فَلَوْ قَالَ: اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَهُ فَأَخَذَهُ اللُّصُوصُ، أَوْ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَسْمُومٍ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ لَا ضَمَانَ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ:
الْأُولَى إذَا كَانَ الْغُرُورُ بِالشَّرْطِ؛ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي ضِمْنِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ، وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ.
لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ الْبِنَاءَ لَهُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدٍ يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الدَّافِعِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ الْمُودَعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنَّهُمَا يَرْجِعَانِ عَلَى الدَّافِعِ بِمَا ضَمِنَاهُ، وَكَذَا مَنْ كَانَ بِمَعْنَاهُمَا. وَفِي الْعَارِيَّةِ وَالْهِبَةِ لَا رُجُوعَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ كَانَ لِنَفْسِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ فِي فَصْلِ الْغُرُورِ كَذَا فِي كَفَالَةِ الْأَشْبَاهِ.
وَقِيمَةُ وَلَدِ الْمَغْرُورِ الْحُرِّ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَقِيلَ: تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْقَضَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ يَوْمِ الْخُصُومَةِ، وَمَنْ اعْتَبَرَ يَوْمَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَتَرَاخَى عَنْهَا؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَوَّلًا: اعْتِبَارَ يَوْمِ الْخُصُومَةِ، وَثَانِيًا: اعْتِبَارَ يَوْمِ الْقَضَاءِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ اعْتَبَرَ يَوْمَ وَضْعِهِ كَذَا فِي الْقَوْلِ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ مِنْ الْأَشْبَاهِ.
وَفِي الْوَجِيزِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ: خَمْسَةٌ لَا يَرْجِعُونَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ: الْوَلَدُ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالشَّفِيعُ، وَأَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ إذَا بَنَى فِي نَصِيبِهِ، وَالْمَالِكُ الْقَدِيمُ إذَا أَخَذَ الْجَارِيَةَ الْمَأْسُورَةَ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الِابْنِ، وَالْقَاضِي إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّغِيرُ فَرَدَّ الْبَيْعَ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى أَحَدٍ، وَفِيهِ أَيْضًا: الْمُوصَى لَهُ بِالْجَارِيَةِ إذَا اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُوصِي.
وَإِذَا أَهْدَى إلَى الصَّبِيِّ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَهُ، فَلَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ الْأَكْلُ مِنْهُ لِغَيْرِ الْحَاجَةِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَلَا يَدْخُلُ الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ فِي الْغَرَامَاتِ السُّلْطَانِيَّةِ كَمَا فِي الولوالجية هَذِهِ فِي أَحْكَامِ الْأُنْثَى مِنْ الْأَشْبَاهِ.