فَقَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُوَفِّيَ بِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ النَّارَ) يَعْنِي دَارَ الْعِقَابِ الَّتِي فِيهَا النَّارُ (فَأَعَدَّهَا دَارَ) أَيْ مَنْزِلَ (خُلُودٍ) مُؤَبَّدٍ (لِمَنْ كَفَرَ بِهِ) أَيْ بِاَللَّهِ أَيْ جَحَدَ وُجُودَهُ (وَأَلْحَدَ) أَيْ ظَلَمَ وَزَاغَ (فِي آيَاتِهِ) أَيْ مَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَصِفَاتِهِ (وَ) أَلْحَدَ فِي (كُتُبِهِ) الْمُنَزَّلَةِ (وَرُسُلِهِ) الْمُرْسَلَةِ فَمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَدَلَّ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الْآنَ دَلَّ عَلَى وُجُودِهِمَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَمَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ.
(وَ) مِمَّا
ــ
[حاشية العدوي]
السَّابِقِ. [قَوْلُهُ: وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ شَرْطًا] وَهُوَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ الشَّجَرَةِ [قَوْلُهُ: أَهَّلَهُ فِيهَا] أَيْ أَقَرَّهُ فِيهَا.
[قَوْلُهُ: فَقَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ إلَخْ] قَضِيَّةُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُفَسِّرَ قَضَى بِعِلْمٍ فَيَكُونُ مُرُورًا عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقَضَاءَ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ فِي الْأَزَلِ، وَقِيلَ: هُوَ إرَادَةُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقَةِ أَزَلًا قَالَ عج:
إرَادَةُ اللَّهِ مَعَ التَّعَلُّقِ ... فِي أَزَلٍ قَضَاؤُهُ فَحَقِّقْ
وَالْقَدَر الْإِيجَادُ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى ... وَجْهٍ مُعَيَّنٍ أَرَادَهُ عَلَا
وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ مَعْنَى الْأَوَّلِ ... الْعِلْمُ مَعَ تَعَلُّقٍ فِي الْأَزَلِ
وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأُمُورِ ... عَلَى وِفَاقِ عِلْمِهِ الْمَذْكُورِ
اهـ.
[قَوْلُهُ: يَعْنِي دَارَ الْعِقَابِ] مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ. [قَوْلُهُ: مُؤَبَّدٍ] وَصْفٌ كَاشِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخُلُودَ حَقِيقَةٌ فِي التَّأْبِيدِ، أَوْ أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّجَوُّزِ بِهِ عَنْ طُولِ الْمُدَّةِ [قَوْلُهُ: أَيْ جَحَدَ وُجُودَهُ] فِيهِ قُصُورٌ إذْ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى جَحْدِ الْوُجُودِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: كَأَنْ جَحَدَ وُجُودَهُ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْكَافِ مَا إذَا جَحَدَ بَعْضَ صِفَاتِهِ، فَتَأَمَّلْ فِي الْمَقَامِ [قَوْلُهُ: أَيْ ظَلَمَ إلَخْ] بِأَنْ لَمْ يُعْطِ مَخْلُوقَاتِهِ حَقَّهَا مِنْ الِاعْتِبَارِ بِهَا وَالِاتِّعَاظِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى صَانِعٍ حَكِيمٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: زَاغَ أَيْ مَالَ فِيهَا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ، وَعَطْفُ زَاغَ عَلَى ظَلَمَ لَازِمٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَطْفَ أَلْحَدَ عَلَى كَفَرَ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ أَيْضًا وَإِنْ شِئْت قُلْت: مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ [قَوْلُهُ: وَوَحْدَانِيِّتِهِ] فِيهِ مُرُورٌ عَلَى أَنَّ دَلِيلَ الْوَحْدَانِيَّةِ عَقْلِيٌّ.
[قَوْلُهُ: وَصِفَاتِهِ] أَيْ مَا عَدَا السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْكَلَامَ فَإِنَّ دَلِيلَهَا سَمْعِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَأَلْحَدَ فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ] فَسَّرَ بَعْضُهُمْ أَلْحَدَ بِارْتَابَ وَبَعْضٌ بِجَحَدَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ الشَّارِحِ فَنَقُولُ: أَيْ ظَلَمَ فِي كُتُبِهِ، أَيْ لَمْ يُعْطِهَا حَقَّهَا مِنْ الِاعْتِرَافِ بِهَا فَهُوَ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِلتَّعْبِيرِ بِارْتَابَ وَجَحَدَ، وَأَرَادَ جِنْسَ كُتُبِهِ وَجِنْسَ رُسُلِهِ لِيَصْدُقَ بِالْبَعْضِ، وَمِثْلُ الرُّسُلِ الْأَنْبِيَاءُ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: فَمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ] أَيْ مِنْ الْآيَاتِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ إنَّمَا كَانَتْ دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ أَلْحَدَ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَكِنْ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا عَلَى تَقْرِيرِ جَعْلِ الْوَاوِ فِي وَأَلْحَدَ بِمَعْنَى أَوْ، وَالْمُرَادُ جَحَدَ مَا عُلِمَ مِنْ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَاَلَّذِي فِي الْقُرْآنِ، وَأَمَّا جَحْدُ شَيْءٍ لَمْ يُعْلَمْ ضَرُورَةً فَهُوَ لَيْسَ بِكُفْرٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَةِ مَا ذُكِرَ تَفْصِيلًا لَيْسَ بِكُفْرٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رُتِّبَ الْكُفْرُ عَلَى الْجَحْدِ أَيْ الْإِنْكَارِ، وَلَكِنْ فِي كَلَامِ الْأَقْفَهْسِيِّ مَا يُفِيدُ الْكُفْرَ عِنْدَ الشَّكِّ، وَكَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ شَكَّ بَعْدَ أَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِهَذَا الْمَعْنَى الثَّابِتِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.
[قَوْلُهُ: مَوْجُودَتَانِ] تَفْسِيرٌ لَمَخْلُوقَتَانِ [قَوْلُهُ: الْكِتَابُ] قَالَ تَعَالَى {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ} [آل عمران: ١٣٣] فِيهِ دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ عَرْضُهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا عَرْضَ لَهُ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ: أُعِدَّتْ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي النَّارِ