وَأَمَّا الطَّعَامُ فَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الْبُرَّ، وَالْإِدَامُ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ كَاللَّحْمِ، وَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَالْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: (بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) ق: لِأَنَّ الصِّفَةَ عِنْدَهُ مَعْرِفَةُ الْجِنْسِ لَا الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ، وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْهَا وَإِلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرْطَيْ الْأَجَلِ بِقَوْلِهِ: (وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ) احْتَرَزَ بِالْأَجَلِ مِنْ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَالُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَبِالْمَعْلُومِ مِنْ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَهُ السَّلَمُ، وَدَلِيلُهُمَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَسْلِفُوا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» الْحَدِيثَ: وَأَشَارَ إلَى أَحَدِ شُرُوطِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِقَوْلِهِ: (وَيُعَجِّلُ رَأْسَ الْمَالِ) يَعْنِي جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قُبِضَ الْبَعْضُ وَأُخِّرَ الْبَعْضُ فَسَدَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يُؤَخِّرُهُ) أَيْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ (إلَى مِثْلِ يَوْمَيْنِ أَوْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَبْضِهِ فَيَدُورُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ، وَالثَّمَنِيَّةِ. [قَوْلُهُ: مَعْلُومَ الْجِنْسِ] أَيْ فَإِنْ كَانَ طَعَامًا تَعَيَّنَ الْجِنْسُ إمَّا قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً، وَإِنْ كَانَ فَاكِهَةً تَعَيَّنَ إمَّا زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا أَوْ نَبْقًا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَقَوْلُهُ: وَالْقَدْرِ أَيْ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَقْدِيرِهِ مِنْ الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ الذَّرْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَادِيرِ الْمُعْتَادَةِ فِيهِ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ احْتِرَازًا مِنْ الْجُزَافِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَالصِّفَةِ] أَيْ فَإِنْ كَانَ طَعَامًا ذَكَرَ مَا يَصِفُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا ذَكَرَ النَّوْعَ، وَاللَّوْنَ، وَالذُّكُورَةَ، وَالْأُنُوثَةَ. [قَوْلُهُ: مِمَّا تَحْصُرُهُ الصِّفَةُ] احْتِرَازًا مِنْ تُرَابِ الْمَعَادِنِ، وَالصَّوَّاغِينَ، وَالنِّيلَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالطِّينِ أَوْ الْحِنَّاءِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا تَتَغَيَّرُ فِي الْأَسْوَاقِ] فَأَقَلُّهُ نِصْفُ شَهْرٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ سَيَأْتِي يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْعُرُوضِ مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ وَلَا خَفَاءَ فِي شُمُولِهِ لِلْعَقَارِ. [قَوْلُهُ: مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ] لَا يُؤْخَذُ هَذَا لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: أُسْلِمُك فِي هَذَا الثَّوْبِ آخُذُهُ مِنْك عِنْدَ الْأَجَلِ [قَوْلُهُ: وَالْحَيَوَانِ] أَيْ غَيْرِ النَّاطِقِ أَوْ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.
[قَوْلُهُ: وَنَصَّ عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَخْ] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ. [قَوْلُهُ: مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ قَدْ حَصَرَ جَمِيعَ مَا يُسْلَمُ فِيهِ وَلَمْ يُبْقِ شَيْئًا وَيَكُونُ ذِكْرُ الرَّقِيقِ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْأَقْفَهْسِيِّ فِي قَوْلِهِ غَالِبٌ أَوْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ فِيهِ تَكْرَارًا أَوْ عَلَيْهِمَا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ] أَيْ وَأَمَّا فِي الْعُرْفِ فَالطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ مِثْلُ الشَّرَابِ اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ أَشَارَ لَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ] بَلْ أَشَارَ إلَى أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَعْلُومَةٍ يُفِيدُ أَنَّ الصِّفَةَ تَحْصُرُهُ، وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت تت نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ أَنَّهُ مِمَّا تَحْصُرُهُ الصِّفَةُ. [قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْهَا] أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي مِنْهَا هُوَ قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْأَجَلِ غَالِبًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إشَارَةَ لِهَذَا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ] أَقُولُ: وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَعْرُوفِ يُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلًا بِجَوَازِ السَّلَمِ الْحَالِّ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا بَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ. [قَوْلُهُ: فَسَدَ] أَيْ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ] أَيْ ابْتِدَاءُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.
[قَوْلُهُ: إلَى مِثْلِ إلَخْ] مِثْلُ زَائِدَةٌ [قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثَةٍ] أَيْ حَيْثُ حَصَلَ الْقَبْضُ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ الثَّالِثِ.
تَنْبِيهٌ:
هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا لَجَازَ تَأْخِيرُهُ، وَلَوْ لِأَجَلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَكِنْ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْعَيْنِ. وَأَمَّا الْعَرْضُ، وَالطَّعَامُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حَيْثُ كُيِّلَ الطَّعَامُ وَأُحْضِرَ الْعَرْضُ وَيُكْرَهُ مَعَ عَدَمِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute