رُجُوعُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِشَرْطٍ أَوْ بِوَقْتٍ فَيَقُولُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَإِنْ قَبِلْت قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا إذَا ابْتَدَأَتْ هِيَ فَقَالَتْ خَالَعْت نَفْسِي عَنْك بِأَلْفٍ فَذَلِكَ مِثْلُ إيجَابِ الْبَيْعِ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ قَبُولِهِ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِقِيَامِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِشَرْطٍ وَلَا وَقْتٍ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ خِيَارُ الشَّرْطِ وَيَصِحُّ الْخُلْعُ إذَا قَبِلَتْ وَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لَهَا فَقَالَ خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا فَقَبِلَتْ أَوْ شَرَطَتْ هِيَ لِنَفْسِهَا الْخِيَارَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهُ تَمَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جِهَتِهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ يَجُوزُ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَأَلْفَاظُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ خَالَعْتُكِ بَارَأْتُكِ بَايَنْتُكِ فَارَقْتُكِ طَلِّقِي نَفْسَكِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَالَ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ فَقَالَ لَمْ أَنْوِ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا عِوَضًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} [النساء: ٢٠] إلَى أَنْ قَالَ {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠] (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا) يَعْنِي مِنْ الْمَهْرِ دُونَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ حِينَ جَاءَتْ إلَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتٌ فَقَالَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ فَقَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» وَقَدْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ الزِّيَادَةَ وَكَذَا إذَا أَخَذَتْ وَالنُّشُوزُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَهَا الْمَالُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) صُورَتُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَيَّ أَلْفٌ أَمَّا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَبُولَهَا يُوقَفُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الْخُلْعِ مِثْلُ أَنْ يُخَالِعَ الْمُسْلِمَةَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ وَالْفُرْقَةُ بَائِنَةٌ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مَا سَمَّتْ مَالًا وَلَا وَجْهَ إلَى إيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ وَلَا إلَى إيجَابِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ خَمْرًا؛ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا فَصَارَ مَغْرُورًا فَيَجِبُ الْمَهْرُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُولِي فِيهِ مُتَقَوِّمٌ وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا أَمَّا مِلْكُ الْبُضْعِ فِي حَالَةِ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالْكِنَايَاتُ بَوَائِنُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ كَانَ رَجْعِيًّا) هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ إذَا خَلَا عَنْ الْعِوَضِ وَلَمْ يُوصَفْ بِالْبَيْنُونَةِ كَانَ رَجْعِيًّا، وَهَذَا أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ إذَا بَذَلَتْ مَالًا لِلزَّوْجِ وَطَلَّقَهَا كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ.
(قَوْلُهُ وَمَا جَازَ أَنْ يَكُون مَهْرًا جَازَ أَنْ يَكُون بَدَلًا فِي الْخُلْعِ) فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى حَيَوَانٍ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لَهُ الْوَسَطُ مِنْهُ وَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةً بَيْنَ دَفْعِ عَيْنِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ عَلَى الْبُضْعِ فَمَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي النِّكَاحِ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْخُلْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute