لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّهِ كَالدَّيْنِ اللَّازِمِ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَنَحْوُهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَالْأَيْمَانُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قُلْت: وَلَا تَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِي الْإِتْلَافِ وَالْجِنَايَةِ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ. وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا إذَا قُلْنَا: الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ. وَنَقَلُوا وَجْهَيْنِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَخَلَ الْكَافِرُ الْحَرَمَ وَقَتَلَ صَيْدًا هَلْ يَضْمَنُهُ؟ أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ. قَالَ صَاحِبُ الْوَافِي ": وَهُمَا شَبِيهَانِ بِالْوَجْهَيْنِ فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ جُنُبًا. يَعْنِي نَظَرًا لِعَقِيدَتِهِ، بَلْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْأَسَالِيبِ " مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ: إنَّ الْكُفَّارَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حُكْمَ لِاسْتِيلَائِهِمْ، وَأَعْيَانِ الْأَمْوَالِ لِأَرْبَابِهَا، وَكَأَنَّهُمْ فِي اسْتِيلَائِهِمْ وَإِتْلَافِهِمْ كَالْبَهَائِمِ.
قَالَ: وَمِنْ تَقْوِيمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ.
وَقَالَ: هُمْ مَنْهِيُّونَ عَنْ اسْتِيلَائِهِمْ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ: وَمِنْهُ الْإِرْثُ وَالْمِلْكُ بِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا سَاغَ بَيْعُهُمْ لِوَارِثِهِمْ وَمَا يَشْتَرُونَهُ، وَلَا مُعَامَلَتُهُمْ وَكَذَا صِحَّةُ أَنْكِحَتِهِمْ إذَا صَدَرَتْ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهُ.
وَمِنْهُ كَوْنُ الزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِمْ، وَلِهَذَا رَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّيْنِ، وَلَا يَحْسُنُ الْقَوْلُ بِبِنَاءِ ذَلِكَ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِالْفُرُوعِ، فَإِنَّهُ كَيْفَ يُقَالُ بِإِسْقَاطِ الْإِثْمِ عَنْهُمْ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ لِكُفْرِهِمْ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْأُسْتَاذِ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ خِطَابَ الزَّوَاجِرِ مِنْ الزِّنَا وَالْقَذْفِ يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِأَمْوَالِهِمْ: قُلْنَا: خِلَافٌ هَلْ هُوَ تَعَلُّقُ رَهْنٍ أَوْ جِنَايَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute