للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَا عَدَاهَا مِنْ الدَّوَرَانِ وَأَشْبَاهِهِ، لِقُوَّةِ دَلَالَةِ الْمُنَاسَبَةِ وَاسْتِقْلَالِهَا فِي إفَادَةِ الْعِلِّيَّةِ وَقِيلَ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّوَرَانُ أَوْلَى وَعَبَّرُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُطَّرِدَةَ الْمُنْعَكِسَةَ أَقْوَى مِمَّا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، لِشَبَهِهَا بِالْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الظَّنَّ بِغَلَبَةِ الْمُنَاسَبَةِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّوَرَانِ، وَيُرَجَّحُ الثَّابِتُ عِلِّيَّتُهُ بِالْمُنَاسَبَةِ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالسَّبْرِ، خِلَافًا لِقَوْمٍ وَلَيْسَ هَذَا الْخِلَافُ فِي السَّبْرِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ مُتَعَيَّنٌ، وَلَا يَدْخُلُهُ تَرْجِيحٌ، لِوُجُوبِ تَقْدِيمِ الْمَقْطُوعِ بِهِ عَلَى الْمَظْنُونِ، بَلْ فِي السَّبْرِ الْمَظْنُونِ الَّذِي كُلُّ مُقَدَّمَاتِهِ ظَنِّيَّةٌ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا قَطْعِيًّا اخْتَلَفَ حَالُهُ بِحَسَبِهَا وَإِذَا ثَبَتَ رُجْحَانُ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى الدَّوَرَانِ وَالسَّبْرِ كَانَ رُجْحَانُهُ عَلَى الْبَاقِي أَظْهَرَ ثُمَّ الْمُنَاسَبَةُ تَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهَا، فَيُرَجَّحُ مِنْهَا مَا هُوَ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَةِ عَلَى مَا هُوَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَهُوَ الْمَصْلَحِيُّ، أَوْ التَّتِمَّةُ، وَهُوَ التَّحْسِينِيُّ وَالضَّرُورِيَّةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى الدُّنْيَوِيَّةِ وَيُرَجَّحُ فِي هَذَا مَا هُوَ أَقْرَبُ اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ، فَيُرَجَّحُ مَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ نَوْعِ وَصْفِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُعْتَبَرِ نَوْعُ وَصْفِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَأَمَّا الْمُرَجَّحُ فِيهِمَا فَقَالَ الْإِمَامُ: هُمَا كَالْمُتَعَارَضِينَ وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: الْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْمُعْتَبَرِ نَوْعُ وَصْفِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ عَلَى عَكْسِهِ.

تَنْبِيهٌ لَوْ تَعَارَضَ قِيَاسَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدُلُّ بِالْمُنَاسَبَةِ لَكِنَّ مَصْلَحَةَ أَحَدِهِمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالدِّينِ، وَالْأُخْرَى بِالدُّنْيَا، فَالْأُولَى مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّ ثَمَرَةَ الدِّينِيَّةِ هِيَ السَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ الَّتِي لَا يُعَادِلُهَا شَيْءٌ، كَذَا جَزَمَ بِهِ الرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلًا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآمِدِيُّ ذَلِكَ قَوْلًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ سُؤَالًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>