للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَمَانًا، وَجَعَلَ الْجَامِعَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَاعْتَرَضَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْفَرْقِ، وَأَبَانَ أَنَّ الْمُبَاحَاتِ الْمَضْبُوطَةِ النِّهَايَاتِ لَيْسَتْ كَالتَّعْزِيرَاتِ الَّتِي يَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا دُونَ مَا يُؤَدِّي إلَى الْإِتْلَافِ قَالَ: وَلَوْ تَتَبَّعْنَا مُعْظَمَ مَا يَخُوضُ فِيهِ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ.

وَقَدْ بَالَغَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَقَالَ: قَوْلُهُ: شَرْطُ صِحَّةِ الْعِلَّةِ خُلُوُّهَا عَنْ الْمُعَارَضَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ إنَّمَا تَقْدَحُ فِي حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ، أَمَّا إذَا ذُكِرَتْ عِلَّتَانِ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ فَلَا يَقْدَحُ، وَلَا يُسَمَّى مُعَارَضَةً. وَقَوْلُهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْمُعَلِّلِ مَا لَمْ يَبْطُلْ كَلَامُهُ مَا عَدَا عِلَّتِهِ يُقَالُ: مَنْ قَالَ هَذَا؟ وَلِأَيِّ مَعْنًى يَجِبُ؟ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ مَخِيلَةً فِي الْحُكْمِ مُنَاسِبَةً لَهُ إذَا وُجِدَ فِيهَا أَلْحَقَهُ بِالْأَصْلِ الَّذِي اسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْعِلَّةَ. وَأَمَّا السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ وَإِبْطَالُ مَا عَدَا الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ (قَالَ) : وَقَدْ نُسِبَ هَذَا إلَى الْبَاقِلَّانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَالَ) : وَكُلُّ مَنْ كَلَّفَ الْمُعَلِّلَ هَذَا أَوْ رَامَ تَصْحِيحَ الْعِلَّةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَقَدْ أَعْلَمَنَا مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ الْفِقْهَ لَيْسَ مِنْ بَابِهِ وَلَا مِنْ شَأْنِهِ، وَأَنَّهُ دَخِيلٌ فِيهِ مُدَّعٍ لَهُ. (قَالَ) : وَقَدْ بَانَ بُطْلَانُ طَرِيقِ السَّبْرِ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ الْتِزَامٌ كَذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فِي تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ الْتِزَامُ إبْطَالِ كُلِّ عِلَّةٍ سِوَى عِلَّتِهِ، فَهَذِهِ مِنْ التُّرَّهَاتِ وَالْخُرَافَاتِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ تَعْلِيلَ الْأَصْلِ بِعِلَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ.

قُلْت: وَلَمْ يَتَوَارَدْ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، لِأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مَنَعَ اجْتِمَاعَ عِلَّتَيْنِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ يُجَوِّزُهُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَأَمَّا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ ابْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ فَقَدْ حَاوَلَ شَيْئًا بَعِيدًا، لِأَنَّ الْفَرْقَ وَالْجَمْعَ عَلَى الَّذِي يَخُوضُ فِيهِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَّبِعُونَ التَّأْثِيرَاتِ. وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَاَلَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَعْنَى الضَّمَانِ أَلْطَفُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُبَاحُ لَهُ التَّأْدِيبُ وَلَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالسَّلَامَةِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَيْسَ بِحَتْمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>