وَإِيضَاحُهُ: أَنَّ إيجَابَ الطَّهَارَةِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] ، فَالصَّلَاةُ وَجَبَتْ مُقَيَّدَةٌ بِالْغَسْلِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ ذَلِكَ، ثُمَّ وَرَدَ قَوْلُهُ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ، وَهِيَ الْمُقَيَّدَةُ بِالطَّهَارَةِ، وَالدَّالُّ عَلَى الصَّلَاةِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ، وَهِيَ الْمُقَيَّدَةُ بِالطَّهَارَةِ، وَالدَّالُّ عَلَى الصَّلَاةِ الْمُقَيَّدَةِ دَالٌّ عَلَى قَيْدِهَا بِالتَّضَمُّنِ، كَقَوْلِهِ: أَعْتِقْ الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَعْتِقْ الرَّقَبَةَ، فَمُطْلَقُ الرَّقَبَةِ دَالٌّ عَلَى الْإِيمَانِ بِالتَّضَمُّنِ.
الثَّانِي: إذَا قُلْنَا: إنَّهُ وَجَبَ مِنْ دَلَالَتِهِ، فَهَلْ وَجَبَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ فِي " الِاسْتِذْكَارِ "، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَرَجَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَادَةً كَغَسْلِ شَيْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَاسْتِصْحَابِ الْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرِ فِي جُزْءٍ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ أَنَّهُ وَجَبَ لِنَفْسِهِ، وَحَكَى قَوْلًا أَنَّهُ نَدْبٌ لَا وَاجِبٌ، وَزَيَّفَهُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَلَوْ تَرَكَهُ لَتَعَطَّلَ الْوَاجِبُ، فَمَا مَعْنَى وَصْفِهِ بِالتَّطَوُّعِ؟ وَزَعَمَ الْإِبْيَارِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ فِي " التَّلْخِيصِ " الْخِلَافَ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَزَعَمَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ السَّبَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَكِنْ بِهَذَا صَرَّحَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ "، فَقَالَ: الَّذِي لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ إنْ كَانَ سَبَبًا كَالرَّمْيِ فِي الْإِصَابَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُسَبَّبِ أَمْرٌ بِالسَّبَبِ فِي الْمَعْنَى، وَعَلَى هَذَا فَإِيجَابُ الْمُسَبَّبِ إيجَابٌ لِسَبَبِهِ، وَإِبَاحَتُهُ إبَاحَةٌ لِسَبَبِهِ، وَحَظْرُهُ حَظْرٌ لِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ؛ لِوُجُودِهِ بِدُونِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute