وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: الْعَقْلُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ صِفَةً وَتِلْكَ الصِّفَةُ تُوجِبُ الْحُسْنَ أَوْ الْقُبْحَ، كَالصَّوْمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى كَسْرِ الشَّهْوَةِ الْمُقْتَضِي عَدَمَ الْمَفْسَدَةِ. وَكَالزِّنَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُقْتَضِي تَرْكَ تَعَهُّدِ الْأَوْلَادِ. قَالَ الْجُبَّائِيُّ وَأَتْبَاعُهُ بِوُجُوهٍ وَاعْتِبَارَاتٍ بِمَعْنَى أَنَّ لِكُلٍّ صِفَةً لَكِنْ هِيَ غَيْرُ حَقِيقِيَّةٍ. وَفِي كَلَامِ الْأَحْكَامِ " مَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ مَذْهَبَ الْجُبَّائِيُّ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَقَدْ اضْطَرَبَ أَصْحَابُنَا فِي الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، فَقِيلَ: الْحَسَنُ: مَا طَلَبَهُ الشَّرْعُ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَيَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ، وَالْقَبِيحُ: مَا طَلَبَ تَرْكَهُ وَذَمَّ فَاعِلَهُ فَيَتَنَاوَلُ الْحَرَامَ وَالْمَكْرُوهَ. قَالَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْقَوَاطِعِ ". وَنَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَوْرَدَ الْمُبَاحَ، وَأُجِيبُ بِإِثْبَاتِ الْوَاسِطَةِ، وَأَنَّهُ لَا حَسَنَ وَلَا قَبِيحَ، كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَجَزَمَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ " فِي الْبَابِ الْمُفَرِّقِ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالْأَمْرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: بَلْ أَذِنَ الشَّارِعُ فِي إطْلَاقِ الثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَسَنِ. اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَلَى رَأْيِ الْكَعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّ فِي كُلِّ مُبَاحٍ تَرْكَ حَرَامٍ. وَلِهَذَا الْإِشْكَالِ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْحَسَنُ هُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا فَدَخَلَ الْمُبَاحُ، وَنُوقِشَ بِأَنَّ الْمُبَاحَ يَقْتَضِي وَصْفًا زَائِدًا عَلَى الْمَاهِيَّةِ، وَمُجَرَّدُ الْإِذْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ فِي التَّلْخِيصِ ": الْحَسَنُ: كُلُّ فِعْلٍ لَنَا الثَّنَاءُ شَرْعًا عَلَى فَاعِلِهِ بِهِ، وَالْقَبِيحُ: كُلُّ فِعْلٍ لَنَا الذَّمُّ شَرْعًا لِفَاعِلِهِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute