شَرْحِ الْعُنْوَانِ ": وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ مَنْشَؤُهُ طَلَبُ الْفَائِدَةِ فِي التَّخْصِيصِ، وَكَوْنُهُ لَا فَائِدَةَ إلَّا الْمُخَالَفَةُ فِي الْحُكْمِ، أَوْ تَكُونُ تِلْكَ الْفَائِدَةُ أَرْجَحَ الْفَوَائِدِ الْمُحْتَمَلَةِ، فَإِذَا وُجِدَ سَبَبٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ غَيْرَ الْمُخَالَفَةِ فِي الْحُكْمِ وَكَانَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ ظَاهِرًا، ضَعُفَ الِاسْتِدْلَال بِتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِالذِّكْرِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ، لِوُجُودِ الْمُزَاحِمِ الرَّاجِحِ بِالْعَادَةِ، فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. قَالَ: وَهَذَا أَحْسَنُ، إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: (فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ) ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ بِالْمَفْهُومِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ، مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ وَالْعَادَةَ السَّوْمُ، فَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِهَذَا التَّخْصِيصِ مَفْهُومٌ.
قُلْت: قَدْ ذَكَرَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابِهِ هَذَا السُّؤَالَ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ اشْتِرَاطَ السَّوْمِ لَمْ يَقُلْ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ الْعَفْوُ عَنْ الزَّكَاةِ فِيمَا أُعِدَّ لِلْقُنْيَةِ، وَلَمْ يُتَصَرَّفْ فِيهِ لِلتَّنْمِيَةِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ فِي الْأَمْوَالِ النَّامِيَةِ. هَذَا أَصْلُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ. لَكِنَّ الْقَفَّالَ قَصَدَ بِذَلِكَ نَفْيَ الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ مُطْلَقًا، وَقَدْ سَبَقَ رَدُّهُ. عَلَى أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي " الْأُمِّ " يُخَالِفُ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: وَإِذَا قِيلَ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ كَذَا، فَيُشْبِهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْغَنَمِ غَيْرِ السَّائِمَةِ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا قِيلَ فِي شَيْءٍ بِصِفَةٍ، وَالشَّيْءُ يَجْمَعُ صِفَتَيْنِ، يُؤْخَذُ حَقُّهُ كَذَا، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ مِنْ صِفَتَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلِهَذَا قُلْنَا: لَا نَأْخُذُ مِنْ الْغَنَمِ غَيْرِ السَّائِمَةِ صَدَقَةَ الْغَنَمِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْغَنَمِ، فَهَكَذَا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، لِأَنَّهَا الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ دُونَ مَا سِوَاهَا. اهـ. فَلَمْ يَجْعَلْ الشَّافِعِيُّ الْغَلَبَةَ إلَّا لِذَكَرِ الْغَنَمِ حَتَّى أَلْحَقَ بِهَا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ، وَلَمْ يَجْعَلْ السَّوْمَ غَالِبًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute