وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَقْرَبُ الطُّرُقِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَعْنِي الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ، وَحَكَوْا مَذَاهِبَ: ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ النَّهْيُ مُخْتَصًّا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ، كَالصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ دَلَّ عَلَى فَسَادِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَدُلُّ، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَالثَّوْبِ الْحَرِيرِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ " عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. رَابِعُهَا: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ فِي الْعِبَادَاتِ سَوَاءٌ نَهَى عَنْهَا لِعَيْنِهَا أَمْ لِأَمْرٍ قَارَنَهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَالنَّهْيُ إمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ كَبَيْعِ الْحَصَاةِ، أَوْ إلَى أَمْرٍ دَاخِلٍ فِيهِ كَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، أَوْ خَارِجٍ عَنْهُ لَازِمٍ لَهُ كَالرِّبَا فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ تَبْطُلُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَمْرٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ غَيْرِ لَازِمٍ، كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ، وَهَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ " عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي الْمَعَالِمِ " فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ، فَتَأَمَّلْهُ. قِيلَ: وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ " وَالْبُوَيْطِيُّ إلَّا أَنَّ الصِّحَّةَ فِي الْمُقَارِنِ ذَكَرَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ النَّهْيُ لِعَيْنِهِ أَوْ لِوَصْفِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ. وَالثَّانِي: لَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِعَيْنِهِ أَوْ لِوَصْفِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لِاخْتِلَالِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ مِنْ عِبَادَةٍ وَعَقْدٍ. صَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَرْهَانٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute