الْحَالِفُ عَلَى عَقْدٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ:
ــ
[غمز عيون البصائر]
السُّنِّيِّ فِي هَذَا النِّكَاحِ إذْ لَا مَزِيدَ لِأَوْقَاتِ السُّنَّةِ عَلَى الثَّلَاثِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ شَيْءٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلسُّنَّةِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ حِيَضٍ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلطَّلَاقِ وَمَا بَعْدَ عِشْرِينَ حَيْضَةٍ فِي هَذَا النِّكَاحِ قَدْ يَكُونُ وَقْتًا لِلسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَتَأَخَّرُ إلَى الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ وَأَكْثَرَ مِنْهَا بِأَنْ يُجَامِعَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ فِي الْحَيْضَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ لَمْ يُجَامِعْهَا حَتَّى طَهُرَتْ مِنْ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي هَذَا الطُّهْرِ.
كَذَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ الْمَارْدِينِيِّ
(٣٠) قَوْلُهُ: الْحَالِفُ عَلَى عَقْدٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَخْ.
أَصْلُهُ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى كَانَ عَقْدَ مُبَادَلَةٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَبُولِ، وَمَتَى كَانَ عَقْدَ تَمْلِيكٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالتَّحَلِّي وَالْعُمْرَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ بَلْ يَكْفِي الْإِيجَابُ وَحْدَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْقَبُولُ لَا يَثْبُتُ الِاسْمُ، أَمَّا عَقْدُ التَّمْلِيكِ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِالْمِلْكِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يُلَاقِي مِلْكَهُ لَا غَيْرُ وَهُوَ أَمْرٌ يَقُومُ بِهِ وَحْدَهُ فَيَتَحَقَّقُ الِاسْمُ بِدُونِ الْقَبُولِ؛ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ كَيْ لَا يَلْزَمَ حُكْمُ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَحْتَمِلُ الْمِنَّةَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَرِيبُهُ وَيُلْزِمُهُ وَلَاءَهُ إذَا وَهَبَهُ لَهُ أَوْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ نِكَاحَ زَوْجَتِهِ إذَا وَهَبَهَا لَهُ، وَثُبُوتُ الِاسْمِ فِي الْقِسْمَيْنِ يَكْفِي فِي كَوْنِهِ شَرْطُ الْحِنْثِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْحُكْمِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَفَى بِيَمِينِهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ أَوْ جَعَلَهُ شَرْطَ حِنْثِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ مَتَى تَحَقَّقَ فَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ.
بَيْدَ أَنَّهُ إذَا أَفَادَ الْحُكْمَ كَانَ سَبَبًا كَامِلًا وَإِنْ لَمْ يُفِدْ كَانَ سَبَبًا قَاصِرًا وَهُوَ كَافٍ فِي صَيْرُورَتِهِ شَرْطَ الْحِنْثِ لِأَنَّ تَرَاخِيَ الْحُكْمِ عَنْ الْمُسَبِّبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِ فَاتَّحَدَ النَّوْعَانِ فِي تَحَقُّقِ السَّبَبِيَّةِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الِاسْمِ، وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ حُصُولِهِ فَفِي الْهِبَةِ وَأَخَوَاتِهَا قَبْلَ حُصُولِ الْقَبُولِ وَفِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَلِهَذَا لَا يُقَالُ بِعْته فَلَمْ يُقْبَلْ فَوَضَحَ الْفَرْقُ صُورَةً وَمَعْنًى. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute