كَمْ نَخْلَعُ عَلَيْك خِلْعَةً نَفِيسَةً تَبْذُلُهَا فِي الْأَقْذَارِ، وَتَخْلُقُهَا فِي خِدْمَةِ الْأَغْيَارِ، اشْتَغَلْتَ بِالصُّوَرِ، شَغْلَ الْأَطْفَالِ بِاللَّعِبِ، فَاتَتْكَ أَوْقَاتٌ لَا تَتَلَافَى إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ كَسَرْنَا عَلَيْك لُعْبَةً مِثْلَ أَنْ نَسْلُبَك وَلَدًا مَنَحْنَاهُ، أَخَذْت تُضَيِّعُ الدُّمُوعَ وَتَخْرُقُ الْجُيُوبَ، وَا أَسَفَا عَلَى أَوْقَاتٍ فَاتَتْ، أَمَا رَأَيْت الْمُتَدَارِكِينَ هَذَا يَقُولُ: هَلَكْت وَأَهْلَكْت، وَهَذَا يَقُولُ: زَنَيْت فَطَهِّرْنِي، زَاهِدًا فِي مُصَاحَبَةِ نَفْسٍ خَائِنَةٍ فِيمَا عَاهَدَتْ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يُقِيمُ لَهَا التَّأْوِيلَ وَيَقُولُ: " لَعَلَّكَ قَبِلْت " وَذَاكَ مُصِرٌّ عَلَى التَّشَفِّي مِنْ النَّفْسِ الْمُخَالِفَةِ لِلْحَقِّ، أَتُرَاهُ سَلَّطَ هَذِهِ الْبَلَاوِيَ إلَّا لِيُظْهِرَ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالْغَيْرَةِ؟ تُرَى لَوْ دَامَ الْخَلِيلُ وَالذَّبِيحُ فِي كَتْمِ الْعَزْمِ، كَانَ وُجِدَ لِأَخْذِ قَدَمٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَصَارَ الْوَلَدُ كَالشَّاةِ الْمُعَدَّةِ لِلذَّبْحِ. أَخْجَلَ وَاَللَّهِ هَذَا الْجَوْهَرُ الَّذِي أَظْهَرَهُ الِامْتِحَانُ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ.
{قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} [البقرة: ٣٠] . أَيْنَ التَّسْبِيحُ مِنْ عَزْمِ الذَّبْحِ وَبَذْلِ الذَّبِيحِ؟ لَقَدْ تَرَكَتْ هَذِهِ الْمَكَارِمُ رُءُوسَ الْكُلِّ مُنَكَّسَةً خَجَلًا بِبُخْلِهِمْ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ، وَنِصْفَ دِينَارٍ مِنْ عِشْرِينَ. وَتَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ الدَّبُوسِيِّ الْحَنَفِيِّ: إنَّ الدُّنْيَا دَارُ جَزَاءٍ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ، فَأَمَّا لِحَقِّهِ فَيَتَأَخَّرُ إلَى الْآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: ٤٥] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] .
وَقِيلَ لِأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ مَا بَالُ الْعُقَلَاءِ أَزَالُوا اللَّوْمَ عَمَّنْ أَسَاءَهُمْ، قَالَ: إنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ. وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَلِابْنِ مَاجَهْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute