ويبطنون الكفر، ويكون هذا إخبار عَمَّا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا كَوْنُ هَذِهِ السُّورَةِ مَكِّيَّةً، وَالنِّفَاقُ إِنَّمَا كَانَ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ وُقُوعَ النِّفَاقِ فِي سُورَةٍ مَكِّيَّةٍ وَهِيَ الْعَنْكَبُوتُ فَقَالَ: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين}، وعلى هذا فيكون إخباراً عن قول الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ حِينَ يُعَايِنُونَ الْعَذَابَ، فظهر لَهُمْ حينئذٍ غِبُّ مَا كَانُوا يُبْطِنُونَ مِنَ الكفر والنفاق والشقاق، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَعْنَى الْإِضْرَابِ فِي قَوْلِهِ: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ} فإنهم مَا طَلَبُوا الْعَوْدَ إِلَى الدُّنْيَا رَغْبَةً وَمَحَبَّةً فِي الْإِيمَانِ، بَلْ خَوْفًا مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي عاينوه جزاء على مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، فَسَأَلُوا الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيَتَخَلَّصُوا مِمَّا شَاهَدُوا مِنَ النَّارِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أي في طلبهم الرَّجْعَةَ رَغْبَةً وَمَحَبَّةً فِي الْإِيمَانِ، ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا عَنْهُمْ: إِنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمُخَالَفَةِ، {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أَيْ فِي قَوْلِهِمْ: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أَيْ لَعَادُوا لِمَا نهو عنه، ولقالوا إِنْ هِيَ إِلَاّ حياتنا الدنيا، أَيْ مَا هِيَ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ثُمَّ لَا مَعَادَ بَعْدَهَا، وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}، ثُمَّ قَالَ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} أَيْ أُوقِفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ {قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ}؟ أَيْ أَلَيْسَ هَذَا الْمَعَادُ بِحَقٍّ وَلَيْسَ بِبَاطِلٍ كَمَا كُنْتُمْ تَظُنُّونَ {قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} أَيْ بِمَا كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ فَذُوقُوا الْيَوْمَ مَسَّهُ {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute