الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مُوَادَعَةٌ، وَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمْ الرَّجُلَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسُوا يَتَنَاجَوْنَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَظُنَّ الْمُؤْمِنُ أَنَّهُمْ يَتَنَاجَوْنَ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَا يَكْرَهُ الْمُؤْمِنُ، فَإِذَا رأى ذَلِكَ خَشِيَهُمْ فَتَرَكَ طَرِيقَهُ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجْوَى، فَلَمْ ينتهوا وعادوا إلى النجوى، فأنزل الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عنه} (روي هذا عن مجاهد ومقاتل بن حيان) وقوله تعالى: {وَيَتَنَاجَوْنَ بالإثم والعدوان ومعصية الرَّسُولِ} أَيْ يَتَحَدَّثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْإِثْمِ وَهُوَ ما يختص بهم، {العدوان} وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِمْ، وَمِنْهُ مَعْصِيَةُ الرَّسُولِ ومخالفته، يصرون عليها ويتواصون بها، وقوله تَعَالَى: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله}. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودُ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْكُمُ السام، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ياعائشة إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ»، قُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أو سمعتِ ما أقول وعليكم؟»، فأنزل الله تَعَالَى: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله} (أخرجه ابن أبي حاتم). وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُمْ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ وَاللَّعْنَةُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ يُسْتَجَابُ لَنَا فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا» وروى ابن جرير، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَى عَلَيْهِمْ يَهُودِيٌّ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ؟» قَالُوا: سَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "بَلْ قَالَ: سَامٌ عَلَيْكُمْ" أَيْ تُسَامُونَ دِينَكُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ردوه»، فردوه عَلَيْهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقُلْتَ سَامٌ عَلَيْكُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُولُوا: عَلَيْكَ" (أصله في الصحيحين، وهذا الحديث
روي عن عائشة في الصحيح بنحوه)، أي عليك ما قلت. وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} أي يفعلون هذا وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْ كَانَ هَذَا نبِيًّا لَعَذَّبَنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ لَهُ فِي الْبَاطِنِ لَأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا نُسِرُّهُ، فَلَوْ كَانَ هَذَا نبياً حقاً لأوشك الله أن يعاجلنا بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} أَيْ جَهَنَّمُ كِفَايَتُهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ {يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المصير}، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَامٌ عَلَيْكَ. ثُمَّ يَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ: لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ * حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (أخرجه الإمام أحمد). وقال ابن عباس: كان المنافقون يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا حيوه: سام عليك، قال الله تعالى: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، ثُمَّ قَالَ تعالى مؤدبا عباده المؤمنين أن لا يَكُونُوا مِثْلَ الْكَفَرَةِ وَالْمُنَافِقِينَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْاْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ومعصية الرَّسُولِ} أَيْ كَمَا يَتَنَاجَى بِهِ الْجَهَلَةُ مِنْ كَفَرَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ مَالَأَهُمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، {وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute