وَتَعَالَى عِبَادَهُ إِلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى التَّوْبَةِ، فَقَالَ: {وأنيبوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ} الخ، أَيِ ارْجِعُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَسْلِمُوا لَهُ {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} أَيْ بَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ حُلُولِ النِّقْمَةِ، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العذابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} أَيْ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَشْعُرُونَ، ثُمَّ قال تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَحَسَّرُ الْمُجْرِمُ الْمُفَرِّطُ فِي التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَيَوَدُّ لَوْ كَانَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الْمُخْلِصِينَ المطيعين لله عزَّ وجلَّ، وقوله تبارك وتعالى: {وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} أَيْ إِنَّمَا كَانَ عَمَلِي فِي الدُّنْيَا عَمَلَ سَاخِرٍ مُسْتَهْزِئٍ غَيْرِ مُوقِنٍ مُصَدِّقٍ، {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي تود لو أعيدت إلى الدنيا لتحسن العمل، قال ابن عباس: أخبر الله سبحانه وتعالى مَا الْعِبَادُ قَائِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَقُولُوهُ، وَعَمَلَهُمْ قبل أن يعملوه، وقال تعالى: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المحسنين} فأخبر الله عزَّ وجلَّ أَنْ لَوْ رُدُّوا لَمَا قَدَرُوا عَلَى الْهُدَى فقال: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، وفي الحديث: "كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي فَتَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ، قَالَ: وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُ: لولا أن هداني الله قال: فيكون له الشكر" (أخرجه أحمد والنسائي عن أبي هريرة مرفوعاً)، وَلَمَّا تَمَنَّى أَهْلُ الْجَرَائِمِ الْعَوْدَ إِلَى الدُّنْيَا، وَتَحَسَّرُوا عَلَى تَصْدِيقِ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي قد جاءتك أيها العبد النادم آيَاتِي فِي الدَّارِ الدُّنْيَا وَقَامَتْ حُجَجِي عَلَيْكَ فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ عَنِ اتِّبَاعِهَا وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِهَا الْجَاحِدِينَ لَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute