(الْغَرِيْبُ: وَهُوَ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي جَمِيْعِ طِبَاقِ السَّنَدِ أَوْ بَعْضِهَا.
وَعَلى الثَّانِي: مَا أَفَادَ الظَّنَ.
قُلْتُ: الأَصْلُ الثَّابِتُ الصَّحِيْحُ فِي قُبُولِ الأَخْبَارِ وَالَّذِي نَزَلَ بِهِ الشَّرْعُ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الأَمْرُ عِنْدَ أَصْحَابِ العُقُولِ الصَّحِيْحَةِ وَالْفِطْرَةِ السَّلِيْمَةِ، هُوَ السُّكُونُ وَالطُّمْأَنِيْنَةُ وَالْقَطْعُ بِأَخْبَارِ الثقات الْمَعْرُوفِيْنَ عِنْدَهُمْ بِالصِّدْقِ والأَمَانَةِ وَالاِعْتِدَالِ، مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ بِإِثَارَةِ الظُّنُونِ وَالوَسَاوِسِ حَوْلَهَا بِحُجَّةِ تَجْوِيْزِ الْعَقْلِ لأَنْوَاعٍ مِنَ الاِحْتِمَالِ، إِلاَّ فِي مُلاَبِسَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَظُرُوفٍ خَاصَّةٍ بِالْخَبْرِ تَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ ذلِكَ، فَحِيْنَئِذٍ كَانُوْا يَلْجَئُوْنَ إِلَى التَّثَبُّتِ بِوَسَائِلَ أُخْرَى.
أَمَّا تَقْسِيْمُ الأَخْبَارِ إِلى تَوَاتُرٍ وَآحَادٍ ثُمَّ تَعْلِيْقُ إِفَادَةِ الْقَطْعِ وَاليَقِيْنِ كُلِّهِ مَعَ الْمُتَوَاتِرِ وَالظَّنِ كُلِّهِ مَعَ الآحَادِ فَلَيْسَ أَصْلاً مِنْ أُصُولِ الْمُسْلِمِيْنَ.
وَإنَّمَا هِيَ أَقْسَامٌ وَتَقْسِيْمَاتٌ وَمُقَدِّمَاتٌ وَنَتَائِجُ تَكَلَّمَ فِيْهَا مَنَاطِقَةُ اليُونَانِ أَوَّلاً، وَتَأَثَّرَ بِهَا فِيْمَا بَعْدَ ذلِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ وَالفُقَهَاءُ وَالأُصُولِيُّونَ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ الَّذِيْنَ دَرَسُوا كُتَبَ الْمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ فَتَكَلَّمُوا بِلِسَانِهَا وَسَلَّمُوا لِنَتَائِجِهَا وَتَمَسَّكُوا بِكُلَّيَاتِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا تَمَسُّكَ الْمُقَلِّدِ الأَعْمَى.
ثُمَّ حُكَمَاءُ اليُونَانِ إِذْ قَسَمُوا أَخْبَارَهُمْ إِلى تَوَاتُرٍ وَآحَادٍ وَحَكَمُوا بِالْقَطْعِ لِلْمُتَوَاتِرِ وَالظَّنِّ لِلآحَادِ كَانُوا عَلَى نَوْعِ مِنَ الْمَعْقُولِيَّةِ، حَيْثُ أَنَّ مُجْتَمَعَهُمْ عَلى فَسَادٍ فِي الْعَقِيْدَةِ، وَانْهِيَارٍ فِي الْخُلُقِ وَالسُّلُوكِ، وَدِمَارٍ لِلْقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَمُقْتَضِيَّاتِ التَّثَبُّتِ وَالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ فِي الأَخْبَارِ وَغَيْرِهَا.
وَهُمْ مَعَ ذلِكَ حَكَمُوا عَلى أَخْبَارِ آحَادِهِمْ بِالظَّنِّ، وَكَانَ الْحَقُّ يَعْنِي أَنْ يُحْكَمَ عَلى أَخْبَارِ أَمْثَالِ هؤُلاء بِالشَّكِّ لاَ بِالظَّنِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute