بيان نوع الخلاف:
ابن دقيق العيد، وابن السمعاني، وابن الحاجب، وتاج الدين
ابن السبكي، وغيرهم ممن تعرضوا لذلك يذكرون أن الخلاف بين
الجمهور وأبي مسلم الأصفهاني لفظي.
والقول الحق عندي التفصيل، وبيانه:
أن العلماء الذين بلغهم مذهب أبي مسلم اختلفوا في مراده على
أقوال:
فقيل: إنه لا ينكر حقيقة النسخ، لكن لا يسميه بهذا الاسم،
بل يسميه تخصيصا زمنيا.
وقيل: إنه ينكره، وهو باطل عنده، وقيل: ينكره في شريعة
واحدة - فقط -، وقيل: ينكره في القرآن خاصة.
والراجح عندي هو الأول - وهو: أنه يسميه تخصيصا زمنيا -
لأمرين:
أولهما: أنه لا يتصور من مسلم إنكار النسخ؛ لأن النسخ من
ضروريات هذه الشريعة؛ إذ هو ثابت وواقع.
ثانيهما: أن أبا مسلم مؤمن بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومقر بأن التعبد بشرع من قبله من الأنبياء السابقين إنما هو مغيًّا إلى حين ظهور نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعند ظهوره - صلى الله عليه وسلم - زال التعبد بشرع من قبله لانتهاء الغاية، ولو لم يقر بذلك لانتفت عنه صفة الإسلام.
وإذا كان يسميه تخصيصا فالخلاف لفظي؛ لأن النسخ تخصيص
في أزمان الخكم، ومعروف أن تخصيص الأزمان كتخصيص
الأشخاص، فمعنى النسخ وحقيقته قد اتقق عليه بين الجمهور وأبي مسلم.