أما العِلَّة في النوع الثالث، فلم ينص عليها لا نصاً صريحاً ولا
غير صريح، فيقوم المجتهد باستنباط عِلَّة حكم الأصل بأي طريق من
طرق إثبات العلَّة كالمناسبة، أو الدورَان، أو السبر والتقسيم، أو
الوصف الشبهي، ثم يقوم بالتأكد والتحقق من وجودها في الفرع،
لذلك سمي هذا بتخريج المناط؛ لأن المجتهد أخرج العِلَّة من خفاء
إلى وضوح.
مثاله من الكتاب: قوله تعالى: (إنما الخمر والميسر ... ) فهنا
قد نص الشارع على تحريم الخمر، ولم يتعرض هذا النص للعلة لا
صراحة ولا إيماء، فقام المجتهد باستنباط العِلَّة بطريق المناسبة وقَال:
إن عِلَّة تحريم الخمر: الإسكار بعد تدبر واخَتبار واستقصاء واستقراء
وتتبع، ثم تأكد من وجودها في الفرع وهو النبيذ، قألحق النبيذ
بالخمر بواسطة هذه العِلَّة.
ومثاله من السُّنَّة: قوله - صلى الله عليه وسلم - -:
" لا تبيعوا البر بالبر إلا مثل بمثل ... "
فهنا لم يتضمن هذا النص لا صراحة ولا إيماء ما يدل على
علَّة تحريم الربا، لكن المجتهد استنبط العلَّة بالنظر والاجتهاد
واستعمال طرق استنباط العلل، فقال: إن الربا في البر قد حرم،
لكونه مكيلاً، أو مطعوماً، وهذه العِلَّة موجودة في الأرز، فيلحق
الأرز بالبر في تحريم الربا فيهما بجامع الكيل أو الوزن.
ونظراً لقلة اجتهاد المجتهد في النوعين الأول والثاني وهما:
تخريج المناط وتنقيحه، فإنه قد اتفق على الاحتجاج بهما، وأقرَّ
بهما أكثر منكري القياس.
أما النوع الثالث - وهو: تخريج المناط فقد اختلف العلماء فيه،
نظراً إلى كثرة وظائف المجتهد، واعتماده على كثير من الظنون فيه،
وهذا هو الاجتهاد القياسي الذي وقع الخلاف فيه.