والثاني من التأويلين أن تقدير (حروف المعجم) هو (حروف الإعجام) . أي أن المعجم هنا مصدر ميمي. تقول أعجمته معجماً أي إعجاماً، كما تقول أكرمته مكرماً أي إكراماً، أو أدخلته مدخلاً أي إدخالاً. قال ابن جني في سر صناعة الإعراب (١/٣٨) : (إن سأل سائل فقال ما معنى حروف المعجم، هل المعجم صفة لحروف هذه.. والصواب في ذلك عندنا ما ذهب إليه أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، رحمه الله تعالى، من أن المعجم مصدر بمعنى الإعجام، كما تقول أدخلته مدخلاً، وأخرجته مخرجاً، أي إدخالاً وإخراجاً. وحكى أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش أن بعضهم قرأ: ومن يهن الله فما له من مُكرَم، بفتح الراء، أي إكرام. فكأنهم قالوا: هذه حروف الإعجام. فهذا أسدّ واصوب من أن يذهب إلى أن قولهم حروف المعجم بمنزلة قولهم: صلاة الأولى ومسجد الجامع. لأن معنى ذلك صلاة الساعة الأولى أو الفريضة الأولى، ومسجد اليوم الجامع، فالأولى غير الصلاة في المعنى، والجامع غير المسجد في المعنى أيضاً. وإنما هما صفتان حذف موصوفاهما وأقيما مقامهما، وليس كذلك حروف المعجم. لأنه ليس معناه حروف الكلام المعجم، ولا حروف اللفظ المعجم، وإنما المعنى أن الحروف هي المعجمة. فصار قولنا حروف المعجم من باب إضافة المفعول إلى المصدر، كقولهم هذه مطية ركوب، أي من شأنها أن تركب، وهذا سهم نضال، أي من شأنه أن يناضل به، وكذا حروف المعجم، أي من شأنها أن تعجم..) .