ومما جرى مجرى الأسماء معدولاً بـ عن الوصف (المدينة) . فقد جمعوه على (مداين) بالياء، وقالوا في تخريج هذا أن (المدينة) اسم مفعول من قولك (دينت) فهي (مدينة) ، أي ملكت فهي مملوكة.
قال أبو الطيب في الإبدال (٢/٣١٦) : (وقال آخرون إنما وزنها: مفعولة من قولك دينت أي ملكت، فالمدينة المملوكة، وكل مدينة مملوكة) . فهم قد جمعوا (المدينة) على (مداين) جمع تكسير، كما جمعوا (مصيبة) على (مصاوب) ، وكل منهما معدول به عن الوصف. ولكن لم استكرهوا التصحيح في جمع (مدينة) واستحبوه في جمع (مصيبة) . أقول إن (المدينة) قد نأت بدلالتها المعروفة عن الأصل الذي كان لها في معنى الصفة، على حين ظلت (المصيبة) تنم بدلالتها على هذا الأصل.
المُهمَّة والمهام:
وقد جرى مجرى الأسماء وهو وصف، (المُهمّ) و (المُهمَّة) . وقد استعملا بمعنى الأمر الشديد المحزن، أو الأمر الشاغل العاني إذا وجب إنفاذه، وجمعاً تصحيحاً على (المهمات) . قال تأبط شراً:
قليل التشكي للمهم يصيبه
- كثير الهوى شتى النوى والمسالك
قال أبو علي المرزوقي في شرح الحماسة (٩٤) : (المهم يجوز أن يكون من الهم الذي هو الحزن، ويجوز أن يكون من الهم الذي هو القصد. يقول: هو صبور على النوائب والعلات، لا يكاد يتألم مما يعروه من المهمات) . وقال (٥٧٦)(كأنها كانت تكرر الرجاء وتجدده مع كل حادثة، وعند كل مهمة) . وقال (وكثير من الناس يظن بنا تباطؤاً في المهمات وتثاقلاً..) . وقال:(٩٨٤) : (ودوام صبره على جميع ما يكلفه من المهمات الشاقة) . وقوله (والمعتد بفتح العين وكسرها الفرس المعد للمهمات من الطلب والهرب وغيرهما) .
وجاء في نهج البلاغة (١/٥٥) : (مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، وتعويلهم في المهمات على أرائهم) .
وجاء في أساس البلاغة للزمخشري: وفلان حلال للعقد كاف للمهمات) . وفيه (ونزل به مهم ومهمات) .