فلو قيل هذه مسائل أشكلت لقيل في وصف المسائل: إنها مسائل مشكلة أو مشكلات وليس في جميع (مشكلة) هاهنا إلا التصحيح بالألف والتاء، ولا خلاف في ذلك. لكن كلمة (المشكلة) لم تبق في استعمالها، على الأصل الذي كان لها، إذ غدت تعني (المسألة التي التبس أمرها) واصبح لا يعالج شأنها إلا بمدارسة وتأمل، وتروئة وتدبر. وبذلك أنزل منزلة الأسماء، ولو كان أصلها الوصف، وقد أفردت عن موصوفها واستغنت عنه، شأن الصفات الغالبة، وأصبحت توصف كما توصف الأسماء كقولك (هذه مشكلة معقدة) . فإذا كان الباب في جمعها أصلاً هو التصحيح، فهل يصح تكسيرها تشبيهاً لها بالأسماء فيقال (هذه مشاكل معقدة) .
أقول قد استعمل علماء الأصول (الشكل) وجمعوه جمع تصحيح. قال ابن ملك في الأصول (وأما المشكل فهو الداخل في أشكاله) . قال صاحب المنار (أي الكلام الذي دخل المراد منه في أشكاله، بفتح الهمزة.. وحذف المصنف الكلام هنا.. اختصاراً لدلالة القرينة عليه) . فدل هذا على أن (المشكل) هنا وصف للكلام الذي حذف لدلالة القرينة عليه. ومن ثم كان وصفاً جارياً على أصله، لا صفة غالبة استغني بها عن موصوفها، فكان جمعه جمع تصحيح. أما (المشكلة) كما عرفت وشاع استعمالها فهي صفة غالبة غلبة الأسماء باستغنائها عن موصوفها؛ وكأن أصل الكلام (قضية مشكلة) أو (مسألة مشكلة) فحذف الموصوف ونابت الصفة منابه، فليس هو على نية التقدير. وهكذا تقول (في الأمر مشكلة لا بد من علاجها) كما تقول (في الأمر عقدة لا بد من حلها) . وهي إذ أنزلت منزلة الأسماء صح فيها التكسير إلى جانب التصحيح الذي هو بابها في الأصل، فأنت تقول في جمعها مشاكل ومشكلات. وقد جاء في خزانة الأدب للبغدادي (١/٣٦٥) قول أبي طالب عم الرسول (في مقاطعة قريش لبني عبد المطلب لأنهم لم يسلموا الرسول إليهم ليقتلوه: