وإن يكن في قفار ظنَّها لججًا ... وإن تنفَّس عادت كلُّها يبسا
مضى الزّمان الَّذي قد كنت أعهده ... وكان بالأمس معمورًا فقد درسا
يا هل درى الغادون عن دنفٍ ... يبيت وليل الدَّياجي يرقب الغلسا
ظبيٌ غريرٌ ولكن لحظ مقلته ... يسطو على الصَّبِّ سطو اللَّيث مفترسا
كلَّمته فتشكَّى الكلم من كلمي ... وكدت أجرحه باللَّحظ مختلسا
وابتزَّ قلبي قسرًا قلت مظلمة ... يا حاكم الحبِّ هذا القلب لم حبسا
/ ٢٥٨ أ/ غرست باللَّحم دمعًا فوق وجنته ... حقًا لطرفي أن يجني الَّذي غرسا
وإن أبى فالأقاحي منه لي عوض ... من عوِّض الثَّغر من خدِّ فما بخسا
فبات طوع يدي والشَّمل يجمعنا ... في بردةٍ للتُّقى لا تعرف الدَّنسا
تلك اللَّيالي الَّتي اعتدُّ من عمري ... وبالأحبَّة كانت كلُّها عرسا
لم يحل للعين شيءٌ بعد بعدهم ... والقلب مذ أنس التَّرحال ما أنسا
يا جنَّة فارقتها النَّفس مكرهةً ... لولا التأسِّي بدار الخلد متُّ أسى
[٧٣٢]
محمَّد [بن] نصر بن أبي البيان، أبو عبد الله الأديب الدمشقيُّ.
كان يفهم صدرًا صالحًا من علم العربية، وينظم شعرًا حسنًا، وسمع الحديث ورواه عن أبي القاسم الحافظ، وحمل عنه، وسمع سعادة الأعمى، وروى عنه من شعره.
أنشدني أبو المظفر منصور بن سليم بن منصور الإسكندري، الفقيه الشافعي، قال: أنشدني الأديب أبو عبد الله بن أبي البيان لنفسه: [من البسيط]
لا تنكرن ضعف خطِّي وارتعاد يدي ... فإنَّه خطُّ من قد جار سبعينا
/ ٢٥٨ ب/ صرَّفتها بيد التَّسويف مرتجيًا ... عفو الإله وأسلافي المطيعينا
قومٌ مضوا منذ كانوا قطُّ ما برحوا ... إلى العفاف وفعل الخير ساعينا
لم يحملو لمليك منةً أبدًا ... ولم يكن قصدهم جاهًا وتعيينا
نبا بناصية حتَّى لقد وجدوا ... أصحابه في الورى غرًا ميامينا