للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولذلك قال الله - عز وجل -: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} فإن من دعا ربه، فقد أطاع أمره، وعرف قدره لأن الله سبحانه بذلك أمره حيث يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. قال قائل: فإذا كان الله - عز وجل - قد قدر الأشياء تقديراً واحداً، وعلم ما يكون منها، وكان غير جائز أن يقع شيء بخلاف ما علم منه، فما معنى الدعاء؟ ! وقد فرغ الله - عز وجل - مما يدعو فيه. قلنا: لو كانت الأشياء السابقة في علم الله محتومة كلها لكان ما قلت، ولم يكن لدعاء موقع، ولا للاستجابة موضع، لكن الله تعالى علمين: أحدهما محتوم، والآخر موقوف على شرط، وبذلك نطق كتابة، فقال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}، والمحتوم لا يتأخر عن وقته، كما قال سبحانه: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}، والآخر الموقوف على الشرط هو الذي يدفع مكروهه بالدعاء والصدقة والبر، ويغير مرجوه بمثل ذلك، وبالإنابة والتوبة، وهو الذي يقول [فيه] الله - عز وجل -: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} وفيه يقول: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} ومثله مما قد قص علينا في القرآن قوله: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}

<<  <   >  >>