وأما تنكير الغد فلتعظيمه وإبهام أمره، كأنه قيل: لغد لا يعرف كنهه لعظمه. وعن مالك ابن دينار: مكتوب على باب الجنة: وجدنا ما عملنا، ربحنا ما قدمنا، خسرنا ما خلفنا.
{نَسُوا اللَّهَ} نسوا حقه، فجعلهم ناسين حق أنفسهم بالخذلان، حتى لم يسعوا لها بما ينفعهم عنده. أو فأراهم يوم القيامة من الأهوال ما نسوا فيه أنفسهم، كقوله تعالى: {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} [إبراهيم: ٤٣].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: ٣٠] حتى قيل: إنه من عكس الكلام الذي يقصد به الإفراط، كقوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحجر: ٢] وهي بمعنى "كم" فقدر هاهنا ما يطابق الواقع في قلة الناظر في المعاد، فالفعل الذي أسند إلى {نَفْسٌ} ليس في وقوع النظر بل في طلب النظر فهو عام التعلق بكل نفس، قال صاحب "الانتصاف": إن ما ذكره الزمخشري أمكن وأحسن.
وقلت: وأصل الكلام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} وانظروا ما تقدموا لأنفسكم ليوم القيامة، فوضع موضع الضمير {نَفْسٌ} منكورة تقليلًا لها وتقريعًا على قلة نظرها في العاقبة، وأقيم مقام يوم القيامة "غد" منكورًا، تهويلًا كأنه قيل: فلتنظر نفس واحدة لذلك اليوم الهول، ومنه قوله: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: ٧٨].
وقلت: ويحتمل تعظيمها أي: نفس ناظرة إلى عاقبة أمرها، فيحصل الترقي من ذكر الإيمان إلى التقوى، ثم إلى النظر والتفكر، ثم رشح التقريع بقوله: {ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ}. وقال الواحدي ومحيي السنة: لينظر أحدكم أيش الذي قدم لنفسه؟ أعملًا صالحًا ينجيه أم سيئًا يوبقه.
قوله: (فجعلهم ناسين حق أنفسهم بالخذلان)، الانتصاف: بل خلق فيهم النسيان.