من قولهم:"كلأ وبيل": وخيم سيئ العاقبة، ذاقوا عذاب القتل في الدنيا {وَلَهُمْ} في الآخرة عذاب النار. مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر، ثم متاركتهم لهم وإخلافهم {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ} إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة، والمراد استغواؤه قريشًا يوم بدر؛ وقوله لهم:{لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} إلى قوله: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ}[الأنفال: ٤٨] وقرأ ابن مسعود: (خالدان فيها)، على أنه خبر"أن"، و {في النَّارِ} لغو، وعلى القراءة المشهورة: الظرف مستقر، و {خَالِدَيْنِ فِيهَا}: حال. وقرئ:(أنا بريء) و (عاقبتهما) بالرفع.
قوله:(والمراد استغواؤه قريشًا يوم بدر)، اعلم أن التعريف في قوله:{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ} للعهد لا غير، إذ لا يتبادر منه إلا المتعارف شرعًا، وأما ما في "الإنسان" فيحتمل العهد، أي: قريشًا كما قال، ومعنى قوله:{اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ}: قصد إغواءهم، فدعاهم إلى قتال المسلمين فغووا، لا هذا اللفظ بعينه، وهو المراد من قوله:"المراد استغواؤه" لأن الذي قال لهم يوم بدر هو قوله: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} وقريب منه قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة: ١٣١]، ويحتمل الجنس على نحو قوله تعالى:{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}[مريم: ٦٦] في أن لم يباشر الفعل إلا بعض الجنس، وفي معناه قوله تعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ} إلى قوله: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}[إبراهيم: ٢٢] قال: "ومعنى كفره بإشراكهم إياه تبرؤه منه واستنكاره له، كقوله:{إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ}[الممتحنة: ٤] ".