فظهر بهذا معنى قول المصنف:"يكون أحد الأمرين؛ إما المقاتلة أو الإسلام، ولا ثالث لها".
هذا، والذي يقتضيه المقام ما ذهب غليه صاحب "التخمير" حيث قال: "وإذا رفعت هذا الفعل فعلى أن "أو" هي العاطفة، ثم هذه الجملة المعطوفة: إما أن تكون بظاهرها فعلية أو اسمية، وعلى الاسمية تقديره: أو هم يسلمون.
فإن سألت: أليس من شأن العطف المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه؟ أجبت: إذا قلت: الجملة الفعلية اسمية كانت المناسبة أكثر، لأن هذه الجملة حينئذ تخرج إلى باب الكناية، والمعنى: تقاتلونهم أو لا تقاتلونهم لأنهم يسلمون.
وقلت: يعني: وضع "هم يسلمون" موضع "لا تقلونلونهم"؛ لأنهم إذا أسلموا سقط عنهم قتالهم ضرورة، "أو" إذن للتريد، لكن على سبيل الاستعارة، والجملتان إخباريتان، وبيان ذلك أن قوله تعالى:{قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ} وارد على سنن الإخبار التوبيخي في حق من تخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاؤوا معتذرين، يعني: أن الله سبحانه وتعالى سيعاملكم بعد هذه الغزوة بغزوة أخرى معاملة من يختبر أحوال من هو تحت قهره وملكته، فيأمره بأمر وينظر: هل يمتثل أمره أم لا، فإن أطاع يثيبه، وإلا يعاقبه، يدل عليه ترتب قوله:{فَإن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وإن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}، ورفع الجناح عن المضرورين في قوله:{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ ولا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلَى المَرِيضِ}، والتذييل بقوله:{ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ} الآية.