حذرًا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم، وساق معه الهدي، ليعلم أنه لا يريد حربًا، فتثاقل كثير من الأعراب، وقالوا: يذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه، فيقاتلهم، وظنوا أنه يهلك، فلا ينقلب إلى المدينة، واعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم، وأنه ليس لهم من يقوم بأشغالهم.
وقرئ:"شغَّلتنا" بالتشديد. {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} تكذيب لهم في اعتذارهم، وأن الذي خلفهم ليس بما يقولون، وإنما هو الشك في الله والنفاق، وطلبهم للاستغفار أيضًا ليس بصادر عن حقيقة.
{فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ} فمن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه، {إِنْ أَرادَ بِكُمْ} ما يضركم من قتل أو هزيمة،
قوله:(في عقر داره): النهاية: "في الحديث: "عقر دار الإسلام: الشام"، أي: أصله وموضعه، كأنه أشار به إلى وقت الفتن، أي: يكون الشام يومئذ آمنًا منها، وأهل الإسلام به أسلم، وعقر الدار_ بالضم والفتح_: أصلها". الراغب:"عقر الدار والحوض وغيرهما: أصلها، يقال: له عقر، وفيل: ما غزي قوم في عقر دارهم قط إلا ذلوا".
قوله:(فمن يمنعكم من مشيئة الله تعالى وقضائه {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ} ما يضركم) إلى آخره: الانتصاف: "هذه الآية من اللف، أي: من يملك لكم من الله شيئًا أن أراد بكم ضرًا، ومن يحرمكم النفع أن أراد بكم نفعًا، لأن "من يملك" يستعمل في الضر، كقوله:{فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ}[المائدة: ١٧]، {فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[المائدة: ٤١]، {فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[الأحقاف: ٨].