وتقطع به قراءة من قرأ:(أمن عددنا) بالتخفيف والتشديد. {أَشَدُّ خَلْقًا}: يحتمل أقوى خلقًا، من قولهم: شديد الخلق، و: في خلقه شدة، وأصعب خلقًا وأشقه، على معنى الرد لإنكارهم البعث والنشأة الأخرى، وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون. وخلقهم {مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة؛ لأن ما يصنع من الطين غير موصوف
قوله: (وتقطع به قراءة من قرأ: "أمن عددنا") أي: تثبت الحجة وتجعل الدليل قاطعًا، يعني: يدل على أن المراد خلقنا كذا وكذا قراءة من قرأ "أمن عددنا" دلالة قاطعة.
فقوله:"خلقنا" كناية عن ذلك المعدود. وقريب منه قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا}[البقرة: ٢٤] قال فيه: إنه جار مجرى الكناية التي تعطيك اختصارًا.
قوله:(وأصعب خلقًا) قسيم لقوله: "أقوى خلقًا"، وهو الاحتمال الثاني. وقوله:"على معنى الرد" متصل بالاحتمال الثاني دون الأول؛ لقوله: هان عليه ولم يصعب.
وقوله:(إما شهادة عليهم بالضعف والرخاوة) إلى آخره، معناه: أن قوله: {إنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} كالتعليل لما يتولد من معنى الاستفهام في قوله: {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا} فإذا فسر بقوله: "أهم أقوى خلقًا" على سبيل الإنكار كان دليلًا على إثبات الضعف والرخاوة لهم، وإذا فسر بقوله:"أصعب خلقًا وأشقه" كذلك كان احتجاجًا عليهم بإهانتهم وسهولة تأتيهم من حيث المخلوقية؛ لأن المنكر حينئذ خصومتهم وإنكارهم البعث بقوله:{أَئِذَا مِتْنَا وكُنَّا تُرَابًا} ففيه لف ونشر، وكذلك قوله:"بل عجبت من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة" مبني على الاحتمال الأول، وقوله:"أو من إنكارهم البعث" على الاحتمال الثاني، والمقام يقتضي الاحتمال الثاني؛ لقوله بعد ذلك:{أَئِذَا مِتْنَا وكُنَّا تُرَابًا وعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} وإليه الإشارة بقوله: " وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث".