للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ووعدهم الرفع من درجاتهم في الجنة؛ أتبع ذلك بيان أنه إنما اكترث بأولئك وعبأ بهم وأعلى ذكرهم ووعدهم ما وعدهم، لأجل عبادتهم، فأمر رسوله أن يصرّح للناس، ويجزم لهم القول بأن الاكتراث لهم عند ربهم، إنما هو للعبادة وحدها لا لمعنى آخر، ولولا عبادتهم لم يكترث لهم البتة، ولم يعتدّ بهم، ولم يكونوا عنده شيء يبالى به. والدعاء: العبادة. و (مَا) متضمنة لمعنى الاستفهام، وهي في محل النصب، وهي عبارة عن المصدر، كأنه قيل: وأي عبء يعبأ بكم لولا دعاؤكم. يعنى أنكم لا تستأهلون شيئا من العبء بكم لولا عبادتكم. وحقيقة قولهم ما عبأت به: ما اعتددت به من فوادح همومى ومما يكون عبئا علىّ، كما تقول: ما اكترثت له، أى: ما اعتددت به من كوارثي ومما يهمني. وقال الزجاج في تأويل (مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي): أي وزن يكون لكم عنده؟ ويجوز أن تكون (مَا) نافية، (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ): يقول: إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتدّ بعبادي إلا لعبادتهم، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار. ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن استعصى عليه: إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني ويتبع أمري، فقد عصيت فسوف ترى ما أحلّ بك بسبب عصيانك. وقيل: معناه ما يصنع بكم ربي لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام. وقيل: ما يصنع بعذابكم لولا دعاؤكم معه آلهة. فإن قلت: إلى من يتوجه هذا الخطاب؟ قلت: إلى الناس على الإطلاق، ومنهم مؤمنون عابدون ومكذبون عاصون، فخوطبوا بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (من فوادح همومي) وكوارثي، الجوهري: فدحه الدين: أثقله، وأمرٌ فادحٌ، إذا عاله وبهظه، وكرثه الغم يكرثه، بالضم، أي: اشتد عليه، وبلغ منه المشقة.

قوله: (فخوطبوا بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب)، أي: الخطاب في قوله: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} متوجهٌ إلى جنس الناس من غير تقييدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>