على الجنس، والدليل على ذلك: قوله: (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ)[سبأ: ٣٧]، وقراءة من قرأ:(في الغرفة). (بِما صَبَرُوا): بصبرهم على الطاعات، وعن الشهوات، وعلى أذى الكفار ومجاهدتهم، وعلى الفقر وغير ذلك.
قوله:(والدليل على ذلك)، أي: على أن المراد بـ "الغرفة" الجنس: مجيئها في "سبأ" جمعاً وإفراداً، فإن حمزة أفرد بها مفرداً، والجماعة أجمعوا على جمعها، فدل قراءة الجمع على أن المراد من الإفراد الجنس ليتوافق القراءتان، ويمكن أن يقال: القرينة هي إثبات الغرفة الواحدة للجماعة. وأما فائدة العدول في هذا المقام فلاتحاد ترتب الحكم على الأوصاف المشتركة بخلافه في "سبأ"، فإنه مرتبٌ على الإيمان والعمل الصالح مطلقاً. ولا ارتياب في التفاوت في الأعمال، فناسب الجمع ليتفاوت الجزاء بحسب العاملين. وأما إفراد حمزة فيها فمن باب حمل المطلق على المقيد.
قوله:(وإطلاقه لأجل الشياع في كل مصبورٍ عليه)، يعني: لم يؤت بمتعلق صبور لئلا يقتصر عليه، فيتناول كل مصبورٍ عليه إلى أن يحاط به.
فإن قلت: قد تقرر أن اسم الإشارة إذا عقب به من أجرى عليه الأوصاف دل على أن المذكور قبله جديرٌ بما بعده لأجل تلك الأوصاف الجارية عليه، فإذن السبب في أنهم يجزون الغرفة تلك الأوصاف التي أجريت على عباد الرحمن، فكان من حق الظاهر أن يجاء بدل {بِمَا صَبَرُوا}: بما فعلوا كناية عن تلك المذكورات بأسرها، فما فائدة العدول؟ قلت: الإيذان بأن ملاك العبادات الصبر، وأن حبس النفس على طاعة اله هي الطلبة، وقطعها عن مشتهياتها هي المرام.
الراغب: الصبر: حبس النفس عما يقتضيه الهوى، وتختلف مواقعه وربما يخالف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعة. فإن كان في مصيبةٍ فيقال: صبرٌ لا غير، وضده الجزع،