وأنت تريدُ: أديتُ زكاة المال، وإنما الزكاة: الطهارة، كما قال تعالى في كتابه:(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[الأعلى: ١٤ - ١٥]، و (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)[الشمس: ٩]، أي من طهرها، وأبداً ينبغي لك أن تفسر القرآن بعضه ببعض ما أمكنك، فوجب أخذ التفسير من آية نظيرة تلك الآية التي تفسرها، ألا ترى أنهم قالوا في قوله تعالى:(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[الرعد: ١١]، أن المعنى: للرسول صلى الله عليه وسلم معقباتٌ، أي: الملائكة من أمر الله، يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، كذا فسره النخعي، قالوا في هذا: إنه فصل بين الصفة والموصوف، وقدم ظرف الصفة على الصفة، فنظرنا في ذلك فإذا إبراهيم النخعي أخذ هذا التفسير من قوله تعالى:(إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً)[الجن: ٢٧]، والرصدُ: الملائكة، هو المعقبات يحفظون النبي عليه الصلاة والسلام.
فإن قيل: فهب أنكم قلتم: فما وجه قوله عز وجل: (وَدَعْ أَذَاهُمْ)[الأحزاب: ٤٨]؟ وهل يقال في معنى لا تؤذه: دع أذاه؟ قلنا: ليس معنى (وَدَعْ أَذَاهُمْ)[الأحزاب: ٤٨]: لا تؤذهم، وإنما المعنى: دع الخوف من أذاهم وتوكل على الله، أي: لا تخف منهم ولا من أذاهم، فحذف المفعول والحرف الجار الذي في صلة المصدر، كما حذف الجار من قوله:(يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ)[آل عمران: ١٧٥] أي: يخوفكم بأوليائه، وقال تعالى:(لِيُنذِرَ بَاساً شَدِيداً)[الكهف: ٢]، أي: لينذركم ببأس شديد. وقلتُ: قوله: ينبغي لك أن تفسر القرآن بعضه ببعض، كلامٌ حسنٌ، لكن مع مراعاة المقام، وترتيب النظام؛ فإنه تعالى لما ذكر الصلاة عقبها بذكر شقيقتها وقرينتها، وهي الزكاة، كما قال تعالى:(أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) ونحوها، والوجه ما ذكره المصنف أولاً.
وأما قوله: لا يقالُ: فعلتُ الزكاة وأنت تريدُ: أديتُ زكاة المال. فتحكم لم لا يجوز أن يراد المبالغةُ فيه؟ ألا ترى إلى قول الحماسي: