هالكا، وظني أصح من ظنك؛ لأن له أمارة ظاهرة؛ وهي إنكارك ما عرفت صحته، ومكابرتك لآيات الله بعد وضوحها، وأما ظنك فكذب بحت؛ لأن قولك مع علمك بصحة أمري: إني لأظنك مسحورا: قول كذاب. وقال الفرّاء:(مَثْبُوراً) مصروفا عن الخير مطبوعا على قلبك، من قولهم: ما ثبرك عن هذا؟ أي: ما منعك وصرفك؟
وقرأ أبىّ بن كعب:(وإن إخالك يا فرعون لمثبوراً) على: (إن) المخففة واللام الفارقة (فَأَرادَ) فرعون أن يستخف موسى وقومه من أرض مصر ويخرجهم منها، أو ينهيهم عن ظهر الأرض بالقتل والاستئصال، فحاق به مكره بأن استفزه الله بإغراقه مع قبطه. (اسْكُنُوا الْأَرْضَ) التي أراد فرعون أن يستفزكم منها، (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ): يعنى قيام الساعة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً): جمعا مختلطين إياكم وإياهم، ثم يحكم بينكم ويميز بين سعدائكم وأشقيائكم. واللفيف: الجماعات من قبائل شتى.
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ): وما أنزلنا القرآن إلا بالحكمة المقتضية لإنزاله، وما نزل إلا ملتبسا بالحق والحكمة؛ لاشتماله على الهداية إلى كل خير، أو: ما أنزلناه من السماء إلا بالحق محفوظا بالرصد من الملائكة، وما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم
قوله:(إلا بالحق محفوظاً بالرصد)، فسر الحق تارة بالحكمة، وأخرى بالثابت الذي يُقابلُ الباطل، فقوله:"محفوظاً بالرصد" تفسيرٌ لمعنى الحق، وتوضيحٌ لمحله، وأنه نصبٌ على الحال، يعني: هو محفوظٌ بالرصد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ونحوه قوله تعالى:(أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ)[النساء: ١٦٦] قال المصنف: "أنزله وهو قريب عليه حافظ له من الشياطين برصدٍ من الملائكة، كما قال في آخر سورة الجن:(وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ)[الجن: ٢٨].
قال أبو البقاء:(وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ) أي: وبسبب إقامته الحق (أَنزَلْنَاهُ) فتكون الباء متعلقة بـ (أَنزَلْنَاهُ)، ويجوز أن يكون حالاً، أي: أنزلناه ومعه الحق، أو: وفيه الحق، ويجوز أن يكون