والأول على وجهين: أحدهما: المسؤول فرعون، والمسؤول عنه إنقاذ بني إسرائيل منه، المعنى: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات، وأرسلناه إلى فرعون وملئه وقلنا له إذ جاءهم: سل بني إسرائيل من فرعون؟ أي: قل له: أرسل معي بني إسرائيل وخلهم وشأنهم؛ لأنهم كانوا كالأسرى بيد فرعون، قال تعالى:(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)[البقرة: ٤٩]، فالسؤال بمعنى الطلب.
وثانيهما: المسؤول: بنو إسرائيل، والمسؤول عنه شيئان.
والمعنى على الأول: قلنا لموسى: (فسْئلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ) عن حال دينهم، أنتم ثابتون على ملة إبراهيم؟ أم دخلتم في دين فرعون؟
والمعنى على الثاني: قلنا له إذ جاءهم: سلهم أن يُعاضدوك، وتكون قلوبهم وأيديهم معك، حتى يخلصهم الله من الأسر ويورثهم أرض أعدائهم، كما قال موسى لقومه:(اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) بالأعراف: ١٢٨]، والثاني: وهو أن يتعلق بالسؤال نفسه على قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، ترتب عليه المعاني الثلاثة كلها، وهذه القراءة ترجح احتمال أن يكون الأمر بقوله:(فَسْئَلُ) في القراءة المشهورة، وهو موسى، دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى الثاني، وهو أن يكون السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتعلق (إِذْ جَاءَهُمْ) إما (آتَيْنَا) المذكور، أي: ولقد آتينا موسى تسع آياتٍ بيناتٍ إذ جاء بني إسرائيل وفرعون، وقلنا لك: سل عن ذلك مُسلمي أهل الكتاب يُخبروك به كما أخبرت، وهو من أسلوب قوله تعالى:(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)[يونس: ٩٤]، وهو من باب التهييج والإلهاب تثبيتاً ومزيد طمأنينة، أو متعلقة محذوف، وهو إما "اذكُر"، والمعنى: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات وأرسلناه إلى فرعون وملئه "اذكُر" إذ جاءهم فقال له فرعونُ، فيكون قوله:(فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) على الوجهين معترضاً، أو "يُخبروك"