استقبله بصدره، ومن ازورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) يعني: ويريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم. ونظير إضمار "يريدون" لقود المعنى إلى إضماره: الإضمار في قوله تعالى: (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ)[الشعراء: ٦٣]، معناه فضرب فانفلق.
عن الإعراض والانحراف عن الحق، ثم علل بيان الكناية ولزوم اللفظ هذا المعنى بقوله:"من أقبل على الشيء استقبله بصدره، ومن ازور عنه ثنى عنه صدره".
قوله:(ويريدون ليستخفوا): شبهه بقوله: (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ)[الشعراء: ٦٣] في مجرد إرادة التقدير ليستقيم المعنى، وروي عنه في الحاشية:"ثني الصدور بمعنى الإعراض إظهار للنفاق، فلم يصح أن تتعلق به لام التعليل، فوجب إضمار ما يصح تعلقها به من شيء يستوي معه المعنى، فلذلك قدر: ويريدون ليستخفوا من الله، أي: يظهرون النفاق ويريدون مع ذلك أن يستخفوا، وكذلك (حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ)، معناه: ألا حين يريدون إظهار نفاقهم، ويفعلون ما هو أدل على نفاقهم من ثني الصدور، وهو استغشاء الثياب، يريدون الاستخفاء".
قلت: أراد أنه كان يصدر منهم ثني الصدور واستغشاء الثياب، ويريدون استخفاء ما كانوا يضمرونه من النفاق، وهاتان الحالتان سبباً إظهار النفاق، فلا يصح التعليل بقوله:(لِيَسْتَخْفُوا)، فلابد من تقدير "يريدون"، لتكون الآية نعياً عليهم بسوء صنيعهم وشدة وقاحتهم، أي: أنهم كانوا يفعلون في الحالتين ما به يظهر نفاقهم، وهم مع ذلك يريدون الاستخفاء.