روي: أن يونس عليه السلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل، فكذبوه، فذهب عنهم مغاضباً، فلما فقدوه خافوا نزول العذاب، فلبسوا المسوح، وعجوا أربعين ليلة. وقيل: قال لهم يونس: إن أجلكم أربعون ليلة، فقالوا: إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك، فلما مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخاناً شديداً، ثم يهبط، حتى يغشى مدينتهم، ويسوّد سطوحهم، فلبسوا المسوح، وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم، وفرّقوا بين النساء والصبيان، وبين الدواب وأولادها، فحنّ بعضها على بعض، وعلت الأصوات والعجيج، وأظهروا الإيمان والتوبة، وتضرعوا، فرحمهم الله، وكشف عنهم، وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة.
وعن ابن مسعود: بلغ من توبتهم أن ترادّوا المظالم، حتى إنّ الرجل كان يقتلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنائه، فيردّه، وقيل: خرجوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا: قد نزل بنا العذاب فما ترى؟ فقال لهم: قولوا: "يا حيّ حين لا حي، ويا حي محيى الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت"، فقالوها، فكشف عنهم.
وعن الفضيل بن عياض: قالوا: "اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت، وأنت أعظم منها وأجل، افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله".
الاستثناء، وإن كان الأفصح أن يُرفع على البدل، لأنه في كلام غير موجب. نحوه مذكور في آخر سورة هود.
قوله:((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ) مشيئة القسر والإلجاء)، الانتصاف: "لما علم أن الآية تقتضي عدم مشيئة الله الإيمان من الجميع، وإنما شاء ممن آمن لا ممن كفر، أوله بمشيئة القسر