وجماع القول في هذا: أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه".
وقال القاضي في "شرح المصابيح": القضاء: هو الإرادة الأزلية والعناية الإلهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص، والقدر: تعلق تلك الإرادة بالأشياء في أوقاتها.
وقلت: يمكن أن ينزل على هذا المعنى: ما ذكره المصنف في تفسير قوله تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ)[الرحمن: ٢٩]: "سأل عبد الله بن طاهر الحسين بن فضل، وقال: أشكلتعلي ثلاث آيات: إحداهن: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ)[الرحمن: ٢٩]، وصح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة؟ وأجاب الحسين: أنها شؤون يبديها، لا شؤون يبتدئها".
وقال العلامة قُطبُ الدين الشيرازي: اعلم أن أفعال العباد تنقسم إلى ما يكون تابعاً لقدرته وإرادته، وإلى ما لا يكون كذلك، مثال الأول: المشي والأكل من الإنسان الصحيح الذي لم يُكره على هذين الفعلين، مثال الثاني: حركة الإنسان إلى أسفل إذا وقع من موضع عالٍ. والقدرة: يُراد بها سلامة آلات الفعل من الأعضاء، ويُراد بها الحالة التي يكون الإنسان عليها وقت صدور الفعل عنهن والأول: يكون قبل الفعل ومعه وبعده، وهي القدرة عند المعتزلة، والثاني: لا يكون إلا مع الفعل، وهي القدرة عند الأشعري، ولا شك أن القدرة بالوجهين لا تكون مقدورة للعبد، بل ربما تكون بعض أسبابها- كالتغذي أو التداوي المقتضين لسلامة الأعضاء - مقدوراً له.
وأما الإرادة فسببها: إما العلمُ بالمصلحة وإما الشهوة وإما الغضب، ولايكون واحدٌ منها