والله لأكابدنّ الشدائد حتى ألحق برسول الله صلي الله عليه وسلم، فتأبط زاده ولحق به، قال الحسن: كذلك -والله- المؤمن يتوب من ذنوبه ولا يصر عليها.
وعن أبى ذرّ الغفاري: أن بعيره أبطأ به، فحمل متاعه على ظهره، واتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى سواده:"كن أبا ذرّ"، فقال الناس: هو ذاك، فقال:"رحم الله أبا ذرّ، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".
قوله:(رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده): أما مشيه وحده: فهذه المشية. وأما موته وحده: فإنه مات بالربذة وحده، وسببه: أنه خرج بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه إلى الشام، فلم يزل بها حتى ولي عثمان رضي الله عنه، ثم استقدمه عثمان لشكوى معاوية، وأسكنه الربذة، فمات بها.
وعن أم ذر زوجته قالت لما حضرت أبا ذر الوفاة بيت، فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: ما لي لا أبكي، وأنت بفلاة من الأرض، وليس عندي ثوب يسعك كفناً، ولابد للقيام بجهازك! قال: فأبشري ولا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلىلله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم:"ليموتن منكم رجلٌ بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين"، وليس من أولئك النفر أحدٌ إلا قد مات في قومه وجماعته، فأنا ذلك الرجل، والله ما كذبت، فأبصري الطريق، فبينا نحن كذلك إذا برجال على رواحلهم، قالوا: يا أمة الله، مالك؟ قلت: امرؤ من المسلمين يموت فكفنوه، فكفنوه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان. هذا مختصر من رواية ابن عبد البر في "الاستيعاب"، وليس فيه:"كن أبا ذر".