والثاني: أن يُنهى عن التعرض لقلائد الهدى مبالغة في النهى عن التعرض للهدى، على معنى: ولا تحلوا قلائدها فضلاً أن تحلوها كما قال: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)[النور: ٣١] فنُهي عن إبداء الزينة مبالغة في النهى عن إبداء مواقعها.
(وَلَا آمِّينَ): ولا تحلوا قوما قاصدين المسجد الحرام (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ): وهو الثواب (وَرِضْواناً): وأن يرضى عنهم، أي: لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم، تعظيماً لهم واستنكاراً أن يتعرض لمثلهم. قيل: هي محكمة. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم «المائدة من آخر القرآن نزولاً، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها». وقال الحسن: ليس فيها منسوخ. وعن أبي ميسرة: فيها ثماني عشرة فريضةً وليس فيها منسوخ. وقيل: هي منسوخةٌ. وعن ابن عباسٍ: كان المسلمون والمشركون يحجون جميعاً،
قوله:(تعظيماً) مفعول له لقول مقدر، أي: قال الله تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً} الآية، تعظيماً لهم، وقوله:"استنكاراً أن يتعرض لمثلهم" عطف تفسيري لقوله: "تعظيماً لهم". روى محيي السنة أن هذه الآية نزلت في الحُطم شُريح بن ضُبيعة، دخل المدينة وحده، وخلف خيله خارج المدينة، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إلام تدعو الناس؟ قال:"إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة"، قال: حسنٌ، إلا أن لي أمراء لا أقطع أمراً دونهم، لعلي أسلم وآتي بهم، ثم خرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دخل بوجه كافر، وخرج بوجه غادر"، فمر بسرح المدينة فاستاقه، فتبعوه فلم يدركوهن فلما كان العام القابل خرج حاجاً معه تجارة عظيمة، وقد قلدوا الهدي، فقال المسلمون: يا رسول الله، هذا الحطم قد خرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنه قد قلد الهدي"، فقالوا: هذا شيء كنا نفعله في الجاهلية، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى الآية.