والرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، كأنه قيل: والأرحام كذلك، على معنى: والأرحام مما يتقى أو: والأرحام مما يتساءل به. والمعنى أنهم كانوا يقرون بأن لهم خالقاً، وكانوا يتساءلون بذكر اللَّه والرحم، فقيل لهم: اتقوا اللَّه الذي خلقكم، واتقوا الذي تتناشدون به واتقوا الأرحام فلا تقطعوها. أو: واتقوا اللَّه الذي تتعاطفون بإذكاره وبإذكار الرحم.
وقد آذن عز وعلا ـ إذ قرن الأرحام باسمه ـ أن صلتها منه بمكان، كما قال:(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)[الإسراء: ٢٣]، وعن الحسن: إذا سألك باللَّه فأعطه، وإذا سألك بالرحم فأعطه. وللرحم حجنة عند العرش،
قوله:(والأرحام كذلك)، قال المصنف: إنه لما علم واشتهر بدليل الاستقراء والقياس لم يخف على أحد أنه لابد منه؛ إما منطوقاً به، وإما مقدراً، والمقدر: إما مما يبقىبدليل قراءة النصب، وإما مما يتساءل به بدليل قراءة الجر.
قوله:(والمعنى: أنهم كانوا يقرون بأن لهم خالقاً)، يعني: الكلام كله وارد على عرف المبعوث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على اختياره الوجه الثاني من الوجهين اللذين ذكرهما في أول السورة، فقوله:"واتقوا الله الذي خلقكم، واتقوا الذي تناشدون به، واتقوا الأرحام فلا تقطعوها"، معنى الآية بحسب نصب "الأرحام"، وقوله:"أو: واتقوا الله الذي تتعاطفون بإذكاره وبإذكار الرحم": بحسب جره؛ ومن ثم أعاد الجار في "بإذكار الرحم"، وترك معنى قراءة الرفع لعوده إلى أحد المعنيين.
قوله:(وللرحم حجنة). النهاية: حجنة المغزل: صنارته، وهي المعوجة التي في رأسه. روينا عن الشيخين، عن أبي هريرة:"أن للرحم شجنة من الرحمن".